ربط الله تعالى قلوب عباده بغرس أصول الإيمان والتقوى فيها، وعلّمهم بسبب تعرضهم للنسيان كيفية تجديد رابطتهم بالله تعالى، من طريق مداومة ذكر الله تعالى ذكرا كثيرا، من غير تقدير بحد معين، لتسهيل الأمر عليهم، وتعظيم الأجر فيه، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لم يعذر أحد في ترك ذكر الله إلا من غلب على عقله، وقال: الكثير: ألا ينساه أبدا.
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «أكثروا ذكر الله حتى يقولوا: مجنون» .
وفي ترطيب اللسان بذكر الله تعالى واستحضار القلب عظمة الله: إشعار بفائدة الذكر، وبضرورة الارتباط الوثيق بالله تعالى وخشيته، ليستقيم الإنسان على أمر الله، قال الله تعالى آمرا بالذكر، مبينا فائدته القصوى وثمرته عند الله عز وجل:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (44)
[الأحزاب: 33/ 41- 44] .
الآية تبيان فضيلة الذّكر، وثواب الذاكرين. فيا أيها الذين صدقوا بالله ورسوله، اذكروا الله بألسنتكم وقلوبكم ذكرا كثيرا، من غير تحديد وقت، ولا تقدير قدر، إنما المطلوب غلبة ذكر الله تعالى في أحوال الإنسان، وضموا إلى الذكر التسبيح في الصباح والمساء، والمراد: في كل الأوقات، التي تبدأ بطرفي النهار والليل، وإنما خص هذان الوقتان بالذّكر، لكونهما مشهودين بملائكة الليل والنهار. وأكد النبي صلّى الله عليه وسلّم الأمر بمداومة الذكر، روى البيهقي عن مكحول مرسلا: «إن ذكر الله شفاء، وذكر الناس داء» . ورواه الديلمي عن أنس بن مالك بلفظ: «ذكر الله شفاء