إذ يترك الإنسان فيه مع أقصى تخيله. والمجرمون: هم الكافرون، بدليل قولهم: إِنَّا مُوقِنُونَ أي إنهم كانوا في الدنيا غير موقنين، وتنكيس الرؤوس: هو من الهول والذل والهم بحلول العذاب. وتراهم يقولون: ربنا نحن الآن نسمع قولك، ونطيع أمرك، لقد أبصرنا الحشر، ونسمع تصديقك للرسل، فارجعنا إلى دار الدنيا، نعمل فيها ما يرضيك من صالح الاعتقاد والقول والعمل، وقولهم: أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا أي ما كنا نخبر به في الدنيا، فكنا مكذبين به.
ثم أخبر الله تعالى عن نفسه أنه لو شاء لهدى الناس أجمعين، بأن يخترع الإيمان في قلوبهم، ويلطف بهم لطفا يؤمنون به، ولكن ثبت قول الله وقضاؤه، وسبق منه الاعلام أنه لا بد من ملء جهنم من الجن والإنس أجمعين، ولكنهم اختاروا في الدنيا الكفر والضلال، وسوء الاعتقاد والعمل.
لذا يقال لهم على سبيل التقريع والتوبيخ: ذوقوا هذا العذاب بسبب تكذيبكم بيوم القيامة، واستبعادكم وقوعه، وتناسيكم له، والآن نعاملكم معاملة المنسيين، وإن كان الله تعالى لا ينسى شيئا، وهذا من قبيل المشاكلة لأفعالهم، مثل قوله تعالى:
نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر: 59/ 19] وقوله سبحانه: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ [التوبة: 9/ 67] .
ويقال لهم أيضا على سبيل التبكيت والتأكيد: ذوقوا عذاب النار الدائم الذي تخلدون فيه بسبب كفركم وتكذيبكم وسوء أعمالكم، وقوله: بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي بتكسبكم الآثام، وارتكابكم المعاصي.
إن هذه الإنذارات والأوصاف الرهيبة تستوجب من العقلاء الحذر الشديد قبل الوقوع في مواقعها أو محطاتها، وقبل التعرض لألوان التوبيخ والتقريع بسبب سوء الاعتقاد والعمل في الدنيا. والسعيد: من اتعظ بغيره، والشقي: من حرم الإفادة من