هذا لون من ألوان البيان والإنذار السابق قبل إنزال العقاب وهذه دعوة صريحة هادئة تتجاوب مع العقول المتفتحة قبل الوقوع في ورطة الهزائم المتوالية، ولكن مشركي مكة بما عرفوا به من قسوة الطباع، لم يذعنوا لنداء الفكر، على الرغم من أن الله تعالى أوضح لهم الحق، وضرب لهم الأمثال الدالة على وحدانية الله تعالى، وعلى إمكان البعث وتحقيقه، وعلى صدق النبي صلّى الله عليه وسلم، وإخلاصه وتفانيه في تبليغ دعوة ربه.
وتالله أيها النبي لو جئتهم بأي آية تبين لهم الحق، لا يصدقون بها، ويكفرون، ويصفون أهل الحق بالأباطيل، وينعتون الآيات بأنها خرافة وسحر، وأن النبي ومن آمن معه جماعة مبطلون، يتبعون السحر والباطل.
وترتب على إعراضهم عن الإيمان عنادا واستكبارا أن ختم الله على قلوبهم، وتحتم عليهم الكفر، لسوء استعدادهم، وإصرارهم على تقليد آبائهم وأجدادهم، من غير وعي ولا تبصر، فلم تعد قلوبهم يدخلها النور، بسبب العناد، والجهالة.
وموقف العناد يتطلب الوقوف بحزم وصبر أمام هؤلاء الكفار المعاندين، لذا أمر الله نبيه بأن يعتصم بالصبر على أذى المشركين، وبمتابعة تبليغ رسالته، وقوّى الله نفسه بتحقيق الوعد، فإن وعد الله الذي وعدك به أيها النبي من نصره إياك عليهم، حق ثابت لا شك فيه، ولا بد من إنجازه وإنفاذه.
ثم نهى الله نبيه عن الانفعال والاهتزاز لكلام المشركين، أو التحرك واضطراب النفس لأقوالهم، إذ هم لا يقين لهم ولا بصيرة، فلا يحملنك شيء على الخفة والطيش، والقلق، جزعا من أقوالهم وأفعالهم، فإنهم قوم ضالون، وتابع أداء رسالتك، فإنها رسالة الحق والنور، والخير، والاستقامة، ولا يستفزنك الذين لا يوقنون بالله ولا باليوم الآخر، فالله ناصرك وحافظك من الناس، وخاذلهم وهازمهم هزيمة منكرة.