الناحية الثالثة- محاولات الكافرين فتنة المسلمين عن دينهم: قال كفار قريش لمن آمن منهم واتّبع هدى القرآن: ارجعوا عن دينكم إلى ديننا، واتّبعوا طريقنا ومنهجنا في التدين، ونحن نتحمّل عنكم آثامكم إن كانت، ووجد حساب عليها، والواقع أنهم لا يتحمّلون شيئا من ذنوبهم، وإنهم لكاذبون فيما قالوا، لأنه لن يتحمّل أحد وزر أحد في ذلك العالم، وعاقبة هذا القول: أن دعاة الكفر والإضلال يتحمّلون يوم القيامة أوزار أنفسهم، وأوزار غيرهم الذين أضلّوهم من الناس، وسوف يسألون سؤال توبيخ وتقريع عما كانوا يكذبون على أنفسهم وعلى غيرهم، وعلى ما يختلقون من الافتراء والبهتان في الدنيا. وقوله تعالى: وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ يريد: ما يلحقهم من أعوانهم وأتباعهم، لتسببهم في إضلالهم.
قال مجاهد: إن الآية نزلت في كفار قريش الذين قالوا لمن آمن منهم: لا نبعث نحن ولا أنتم، فاتّبعونا، فإن كان عليكم إثم فعلينا. روي أن قائل هذه المقالة الوليد ابن المغيرة. وقيل: بل كانت شائعة من كفار قريش.
إن هذه الوصايا واردة بصفة التحذير من عقوق الوالدين فيما هو حقّ وبرّ، وخير وطاعة، والتحذير من أعمال المنافقين فاقدي الإيمان الثابت، حينما أوذوا كفروا، ومن محاولات الكفار ثني المؤمنين عن إيمانهم وردهم إلى دائرة الشّرك والوثنية.
تكرّر إيراد قصة نوح عليه السّلام مع قومه في مناسبات مختلفة، وسور قرآنية متعددة، بعضها مطوّل مفصّل، وبعضها كما هنا موجز مختصر، وأتبعت هذه القصة في سورة العنكبوت بقصص أنبياء آخرين: وهم إبراهيم، ولوط، وهود، وشعيب، وصالح، لبيان عاقبة المكذبين رسلهم، وإيناس النّبي محمد صلّى الله عليه وسلم فيما يلقاه من تعنّت