داود) وغيرهم: «ثلاثة يؤتيهم الله أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وآمن بي، والعبد النّاصح في عبادة ربّه وخدمة سيّده، ورجل كانت له أمة، فأدّبها وعلّمها، ثم أعتقها وتزوّجها» .
هؤلاء الذين أسلموا وآمنوا بالقرآن الكريم، من أهل الكتاب، وآمنوا بكتابهم المنزل، لهم الثواب المضاعف مرتين، جزاء صبرهم وثباتهم على الإيمان الراسخ الدائم الموصول النسب، وتحمّلهم أذى قومهم، وكونهم يقابلون السيئة بالحسنة، فلا يقابلون السيئ بمثله، ولكن يعفون ويصفحون، وينفقون من رزق الله الحلال في النّفقات الواجبة لأهليهم وأقاربهم من الزكاة والصدقة. ففي هذا مدح لهم من جانبين: الأول: اتّصافهم بمكارم الأخلاق، حين صبروا على الأذى، وقابلوا من قال لهم سوءا بالقول الحسن الذي يدفعه، والجانب الثاني: النفقة في الطاعات، وعلى موجب الشرع، وفي ذلك حضّ على الصدقات ونحوها.
ومن أخلاقهم العالية: أنهم إذا سمعوا من المشركين أو غيرهم لغو الكلام، وهو الساقط من القول، من أذى وتعيير وسبّ وشتم وتكذيب، أعرضوا عن أهله، ولم يخالطوهم ولم يعاشروهم، بل كانوا كما قال الله تعالى: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً [الفرقان: 25/ 72] . وقالوا: في الرّد على السفهاء، على جهة التّبري: لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ أي نحن المسؤولون عن أعمالنا ثوابا وعقابا، ولكم أعمالكم، أي تبعاتها ومسئولياتها، لا نردّ عليكم، سلام عليكم سلام متاركة وتوديع، لا سلام أهل الإسلام، فليس هو التحية المعروفة، لا نبتغي الجاهلين معناه: لا نطلبهم للجدال والمراجعة والمسابّة، ونؤثر الكلام الطيب.
هذه المهادنة هي لبني إسرائيل، بقصد فتح جسور المودة والتفاهم والقناعة، بصدق الرسالات الإلهية، أوّلها وآخرها، فإذا ما تجرّدوا عن العصبية والهوى،