وأستغفرك، فغفر الله له، وقبل توبته، إنه سبحانه وتعالى الغفور: السّتّار لذنوب عباده التائبين المخلصين في توبتهم، الرّحيم بهم: المنعم عليهم بفيض رحمته، فلا يعاقبهم بعد التوبة المخلصة.
وعاهد موسى ربّه عزّ وجلّ قائلا: يا ربّ، اعصمني من الخطأ، بسبب ما أنعمت علي، من الحكمة والمعرفة بالملّة القويمة وبتوحيدك وتمجيدك، يا ربّ، بنعمتك علي، وبسبب إحسانك إلي وفضلك، فأنا ملتزم ألّا أكون معينا للمجرمين، أي المنحرفين الخارجين عن دائرة الحق والاستقامة. قال القشيري: ولم يقل: لما أنعمت علي من المغفرة، لأن هذا كان قبل الوحي، وما كان عالما بأن الله غفر له ذلك القتل. وأراد بترك مظاهرة المجرمين: إما صحبة فرعون وانتظامه في جملته، وتكثير سواده، حيث كان يركب بركوبه، كالولد مع الوالد، وكان يسمى ابن فرعون، وإما بمظاهرة من أدّت مظاهرته إلى الجرم والإثم، كمظاهرة الإسرائيلي المؤدية إلى القتل الذي لم يحل له قتله.
وظلّ موسى عليه السّلام يتحسس ويتألم من حادثة القتل، مع علمه بأنه قد غفر له، حتى في يوم القيامة، كما صحّ في حديث الشفاعة.
إن النفوس المؤمنة، والسّامية العالية، ينتابها الخوف الدائم والقلق والضجر إذا بدر منها الخطأ، وعكّر السّوء صفاءها، وجعلها لا تقرّ ولا ترتاح، وهكذا كان شأن موسى عليه السّلام بعد أن وقعت بسببه حادثة قتل خطأ، قبل أن يكون رسولا نبيّا، ومما زاده ألما وضيقا أن الذي نصره من الإسرائيليين يستنجد به مرة أخرى، لضرب رجل آخر، فأبى موسى مناصرته، ثم جاءه رجل يحذّره من التآمر على قتله من آل