والمعنى: واذكر أيها الرسول النّبي لوطا عليه السّلام، وقصته أو دعوته الإصلاحية، حين أنذر قومه نقمة الله عليهم، بإتيانهم الفاحشة العظيمة، قائلا لهم على سبيل التأنيب والتوبيخ: أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ؟! أي أترتكبون فاحشة اللواط، وأنتم تبصرون بقلوبكم أنها خطيئة وفاحشة، وتعلمون قبحها وسوءها.
كيف تقدمون على إتيان الرجال من دون النّساء؟ فهذا شذوذ مفرط، ونكسة في الطبع، وترك للأفضل والأكرم والأولى، ولكنكم في الواقع قوم تجهلون عاقبة هذا الأمر الشنيع، ولا تميزون بين الحسن والقبح، وتؤثرون الرذيلة على الفضيلة، وتتركون المباح من النساء، كما في قوله تعالى: أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (166) [الشّعراء: 26/ 165- 166] . أي معتدون متجاوزون الحدود.
لقد أعرض قوم لوط عن دعوته، ولم يسمعوا نصحه وتحذيره، ولم يكن جوابهم إلا الإصرار على ممارسة الفاحشة المنكرة، وأجابوه بعد التشاور فيما بينهم:
أخرجوا لوطا وأهله من بلدنا، فإنهم لا يصلحون للعيش معنا، إنهم يتحرّجون من أفعالنا، ويترفعون عن صنعنا، ويتنزهون عن أعمالنا. إنهم بهذا تركوا طريق الحجة والمنطق وإيثار السلام، وأخذوا سبيل المغالبة والمعاندة، فتآمروا بإخراجه وإخراج من آمن معه من بلدهم، ثم ذمّوهم وتهكّموا عليهم بمدحة: وهي التّطهّر من هذه الدّناءة التي هم أدمنوا عليها.
فكان من عدل الله ورحمته تدمير الظالمين، وإنجاء المؤمنين الصالحين، وهذا ما أفادته الآيات الآتية:
لقد أنجينا لوطا ومن آمن معه برسالته من أهله لإقرارهم بتوحيد الله تعالى،