فلما جاءت فرعون وقومه الآيات التّسع بيّنة واضحة ظاهرة، دالّة على صدق موسى وأخيه هارون، أنكروها، وقالوا: هذا سحر واضح ظاهر.
وأنكروا الآيات وكذّبوا بها في الظاهر، وتيقّنوا في الحقيقة والباطن في أنفسهم أنها حقّ من عند الله، ظلما من أنفسهم واستكبارا عن اتّباع الحقّ، فانظر أيها الرسول كيف كان عاقبة أمر فرعون وقومه في إهلاك الله إياهم وإغراقهم عن آخرهم في صبيحة واحدة. وفي هذا تحذير شديد لمكذّبي الرّسل الذين أرسلهم الله لهداية البشر، فليتّعظ المكذّبون بدعوة محمد صلّى الله عليه وسلّم، فإنه سيصيبهم مثل ما أصاب من قبلهم بالأولى.
تتعدّد أغراض القصة المحكيّة عن الأنبياء السابقين مع أقوامهم، والغالب منها التحذير والإنذار، حتى لا يتعرّض معارضو دعوة النّبي صلّى الله عليه وسلّم للعقاب المشابه لمن تقدّمهم، وقد يكون الهدف من القصة تعداد النّعم التي أنعم الله بها على بعض الأنبياء، فشكروها حقّ الشكر، وأدّوا حقّ الله فيها، مثل بيان نعم الله على داود وسليمان عليهما السّلام، وهذا ما أوردته الآيات الآتية:
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19)
«1» «2» «3» «4»