الثاني: أنه لو تمكّنت الشياطين من القرآن لما استطاعوا تحمله، كما قال الله تعالى: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:
59/ 21] .
الثالث: لو استطاعت الشياطين حمل القرآن، لما تمكّنوا من الوصول إليه لأنهم معزولون عن سماع القرآن، ومطرودون من مقاعد السمع، لأن السماء ملئت حرسا شديدا وشهبا في مدة إنزال القرآن على رسوله، فلم يتمكّن أحد من الشياطين من استماع حرف واحد من القرآن، لئلا يشتبه الأمر ويضيع الهدف.
لقد كان النجاح الباهر في اتّباع أساليب الدعوة الإسلامية منطويا على مقومات وأصول وآداب كثيرة، توّجت بالبدء بإثبات وجود الله تعالى وتوحيده، ثم التركيز أولا في ممارسة الدعوة على العشيرة الأقارب، والتّحبّب إلى الآخرين بإظهار الاحترام والتواضع لهم، وإعلان البراءة منهم ومن أعمالهم إن أصرّوا على المخالفة، ثم تفويض الأمر إلى الله تعالى والثقة به وبنصره وتأييده، والاعتماد عليه، ففي التوكل على الله تعالى بعد اتّخاذ الأسباب والقيام بالواجب نجاة وإيمان، وحبّ لله وإعظام، وإثبات أن الأمر كله لله، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويحقّق ما يتفق مع الحكمة، ومع علمه الشامل بمدى استعداد الإنسان لقبول الهداية، والخروج من دائرة الكفر والجحود، قال الله تعالى مبيّنا أصول الدعوة إليه:
فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217)
الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)
«1»