مشركي العرب، لم يؤمنوا به، لعدم استعدادهم لفهمه، وتكذيبهم به، ولأنه قد تحتم عليهم الكفر بسوء اختيارهم، فلا سبيل إلى إيمانهم، فهم أي قومك أيها النّبي لا يؤمنون بالقرآن، حتى يروا العذاب الأليم محدقا بهم، فجأة من غير إنذار، وهم لا يشعرون به. والفاء التي في الآية فَقَرَأَهُ ليست للترتيب الزمني، بل للترتيب الرّتبي.
والمراد لا فرق بالنسبة للمشركين العرب، سواء أنزل الله هذا القرآن على رجل عربي اللسان، أو أعجمي وهو كل من لا يفصح، وإن كان عربيّا، فإنهم يكفرون به، لعنادهم وتعنّتهم.
ثم أكّد الله تعالى موقفهم المتعنّت من القرآن فيما معناه: بأننا مكّنّا الكفر في قلوبهم، فمثل إدخالنا التكذيب بالقرآن في قلوبهم، لو قرأه عليهم أعجمي، أدخلناه في قلوب المجرمين كفار مكة. والمقصود: أنه مهما فعلنا من إنزال القرآن على أعجمي أو عربي، فلا سبيل لإيمانهم، وتغيير جحودهم وإنكارهم، فإن الكفر والتكذيب للقرآن متمكّن في قلوبهم، فلا ينفعهم في اقتلاع الكفر من نفوسهم أية وسيلة من العلاج والإصلاح.
ثم زاد الله الأمر تأكيدا وتوضيحا، بأنهم يظلّون كافرين غير مؤمنين بالقرآن والحقّ الذي من عند الله، حتى يعاينوا العذاب المؤلم أشدّ الإيلام، وإن هذا العذاب الآتي يأتيهم فجأة، دون أن يشعروا بمجيئه، فيتمنّون حينئذ تأخير العذاب قليلا، ليتداركوا ما فاتهم، فيقولوا: هل نحن ممهلون؟! ومع هذا كله هم جماعة حمقى، كيف يطلبون تعجيل العذاب؟ وهم حين يرون نزول العذاب يطلبون التأخير والإمهال، فهم قوم متناقضون.