وإن ربّك أيها النّبي محمد الذي أحسن إلى العرب وغيرهم بإرسالك لهم لهدايتهم، لقادر على الانتقام منهم، وهو الرّحيم بهم إذ لم يعجّل عقابهم وإهلاكهم، بقبول توبتهم، كما أنه رحيم بأهل الإيمان الذين أطاعوا الله والرسول، وعملوا بما يرضي الله، ولم يعرضوا عن شيء مما جاء في كتاب الله ووحيه.
لقد استضاءت الحياة الإنسانية- منعا لتعثّرها وانحرافها- بموكب النّور الإلهي من القديم، وعبر التاريخ، وإلى يوم القيامة، متمثّلا ذلك بإنزال الكتب الإلهية والصّحف، وبإرسال الرّسل والأنبياء، وكانت دعوتهم واحدة، تنحصر في إثبات وجود الله وتوحيده، (الإلهيات) والإقرار بالوحي والنّبوة (النّبوات) والإيمان بعالم الغيب (القيامة) بخبر الصادق المصدوق، وبدأت رسالة نوح عليه السّلام هذا الموكب بالدعوة إلى توحيد الله وعبادته وطاعته، وهجر عبادة الأصنام والأوثان، فما آمن به إلا قليل، وترفّع الأكابر والأشراف، واتّهموا أتباعه بأنهم أخسّاء أراذل سفلة. حكى القرآن الكريم هذا الواقع في الآيات التالية:
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114)
إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119)
ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (120) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122)
«1»