وربما كما ذكر ابن زيد تكون الآية تنبيها للمؤمنين على ملازمة المصحف، وألا تكون الغبرة تعلوه في البيوت، ويشتغلون بغيره.
وجاء بعد هذه الشكوى إيناس من الله تعالى لنبيه بأن غيره من الرسل كذلك امتحن بأعداء في زمنه، فلا تحزن يا محمد، فتلك عادة الأقوام مع أنبيائهم، فكما جعلنا لك أعداء من المشركين يتقولون عليك الأباطيل، ويهجرون القرآن، جعلنا لكل نبي من الأنبياء المتقدمين أعداء من المشركين الظالمين، يدعون الناس إلى ضلالهم وكفرهم. لكن النصر والغلبة في النهاية للرسول النبي صلّى الله عليه وسلّم، لذا وعد الله تعالى نبيه بقوله: وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً أي اكتف بربك، فإنه هو الهادي إلى الحق، وهو الناصر على أعدائك في الدنيا والآخرة.
ثم أخبر القرآن عن شبهة أخرى لمشركي مكة، روي عن ابن عباس وغيره رضي الله عنهم أن كفار قريش قالوا في بعض معارضاتهم: لو كان هذا القرآن من عند الله تعالى، لنزل جملة واحدة كما نزلت التوراة والإنجيل، فنزلت هذه الآية: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً والمعنى: إذا كنت تزعم أيها الرجل أنك رسول من عند الله، أفلا تأتينا بالقرآن جملة واحدة، كما أنزلت التوراة جملة على موسى، والإنجيل على عيسى، والزبور على داود؟! أي لو كان القرآن من عند الله حقا، فلم لم ينزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم دفعة واحدة، كما أنزلت الكتب الإلهية المتقدمة؟! فأجابهم الله تعالى عن مقالتهم: لقد أنزلناه منجّما متفرقا بحسب الوقائع والمناسبات في مدى ثلاث وعشرين سنة، لتثبيت فؤاد محمد صلّى الله عليه وسلّم، وليحفظه لكونه أميا، وليتطابق مع الأسباب المؤقتة، فيكون ذلك أدعى للإيمان به، ولدفع الحرج عن المكلفين بتكليفهم بجملة أحكام في زمن واحد، ولمراعاة مبدأ التدرج في التشريع والتناسب مع مقتضيات التربية، والانتقال من حال سيئة إلى حال أحسن بتهيئة