جمعت الآية بين مبدأ دفع الحرج عن أصحاب الأعذار، وبين إباحة المطاعم بين الأقارب والأصدقاء، وبين إفشاء التحية المباركة الطيبة، وتلك آداب كريمة عالية، في المباحات التي لا تتصل بالعقائد والعبادات.
وسبب النزول كما اختار ابن جرير الطبري: قال سعيد بن المسيب: أنزلت هذه الآية في أناس كانوا إذا خرجوا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والأعرج والمريض وعند أقاربهم، وكانوا يأمرونهم أن يأكلوا مما في بيوتهم إذا احتاجوا إلى ذلك، وكانوا يتقون أن يأكلوا منها ويقولون: نخشى ألا تكون أنفسهم بذلك طيبة، فأنزل الله تعالى هذه الآية: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ.
وظاهر الآية وأمر الشريعة: أن الحرج مرفوع عن ذوي الأعذار (الأعمى والأعرج والمريض) ولا سيما في القيام بواجب الجهاد، والأكل من بيوت الأقارب والأصدقاء من غير استئذان.
والمعنى: ليس على الأعمى والأعرج والمريض إثم ولا ذنب في ترك الجهاد لضعفهم وعجزهم، وتعذر الاسهام بشيء من واجبات الجهاد في ساحات الوغى ومواجهة الأعداء، كما أنه لا إثم عليهم في الأكل من بيوت القرابات والأصدقاء، في حال غيبتهم عن دورهم، وائتمان أحد هؤلاء على المفاتيح ونحوها.
كذلك لا إثم على الناس في الأكل من بيوتهم الخاصة، ويشمل ذلك بيوت الأبناء، وإن لم يرد ذكر لها في الآية، لأن بيت ابن الرجل بيته، ومال الولد بمنزلة مال أبيه، ولا حرج أيضا على الأصحاء في أن يأكلوا مع أصحاب الأعذار، مواساة لهم، وتواضعا معهم، وإشعارا بأنهم سواء مع غيرهم دون وجود نظرة ترفع أو تأفف أو تخوف من المرض وغيره.
وأباح الله تعالى الأكل من بيوت أحد عشر موضعا: وهي بيوت الآباء،