هم الذين فازوا فوزا ساحقا، في حياة الدنيا وحياة الآخرة. والمفلحون: هم البالغون آمالهم في دنياهم وآخرتهم، وهم أيضا الفائزون في قصب السبق والتنافس مع الآخرين.
ثم قارن الله تعالى حال المؤمنين هذا، بحال المنافقين في كل زمن، فلقد كان أهل النفاق يحلفون للرسول صلّى الله عليه وسلّم مغلّظين الأيمان، مبالغين فيها إلى غايتها أو نهايتها، ومضمون حلفهم: لئن أمرتهم أيها الرسول بالجهاد، والخروج لمواجهة الأعداء، ليخرجن كما طلبت، فكذبهم الله تعالى في هذه الأيمان الكاذبة بقوله:
قل يا محمد لهم: لا تحلفوا، فإن المطلوب منكم طاعة معروفة: هي الصدق باللسان، وتصديق القلب والأفعال، طاعة تعرف منكم، وتظهر عليكم في الظاهر والباطن، هي المطلوبة منكم، أما طاعتكم التي تتظاهرون بها، فهي رديّة كاذبة لا قيمة لها، وأيمانكم كاذبة، واضحة الكذب، فكلما حلفتم كذبتم، كما قال الله تعالى: يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (96) [التوبة: 9/ 96] .
إن الله مطلع على أعمالكم الظاهرة والباطنة، خبير بكم وبمن يطيع ممن يعصي، يعلم بأيمانكم الكاذبة، وبكل ما في ضمائر عباده من الكفر، والنفاق، وخداع المؤمنين، فيجازيكم على كل عمل سوء، وهذا تهديد ولوم ووعيد.
ثم فتح الله باب الأمل لهم، ورغّبهم ورهّبهم، فقل لهم أيها النبي: اتبعوا كتاب الله وسنة رسوله، والآية مخاطبة مباشرة لأولئك المنافقين وغيرهم من الكفار، وكلّ ممتنع عن أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وثمرة الطاعة الصادقة معروفة، فإنكم إن تطيعوا هذا الرسول، فيما أمركم به ونهاكم عنه، تهتدوا إلى الحق، لأنه يدعو إلى صراط مستقيم، وليس للرسول سلطان الإكراه والإجبار لأحد، فما على الرسول إلا التبليغ