وقد ذكر الله تعالى في الآية قذف النساء لأنه أهم، وأكثر إثارة، وأبشع للنفوس.
وقذف الرجال داخل في حكم الآية بالمعنى، وإجماع الأمة على ذلك، كالنص القرآني على لحم الخنزير، ودخول شحمه وغضاريفه ونحو ذلك بالمعنى وبالإجماع. وذكر الزهراوي: أن المعنى: الأنفس المحصنات، فهي تعم بلفظها الرجال والنساء. ويدل على ذلك قوله تعالى: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ [النساء: 4/ 24] . والمحصنات في هذا الموضع: العفائف، لأن هذا هو الذي يجب به جلد القاذف. والعفة أعلى معاني الإحصان، وفي طيه الإسلام والحرية، ونزلت الآية في الحرائر، فيشترط في القاذف أن يكون من أهل التكليف، أي بالغا عاقلا مختارا عالما بالتحريم، وأن يكون المقذوف محصنا، وهو المكلف (البالغ العاقل) الحر، المسلم، العفيف عن الزنا.
ثم استثنى الله تعالى من تاب وأصلح من بعد القذف، فوعدهم بالرحمة والمغفرة، فمن رجع عن قوله، وندم على فعله، وأصلح حاله وعمله، فلم يعد إلى قذف المحصنات، فيسترد عدالته، ويرتفع عنه صفة الفسق، فإن جمهور العلماء قالوا:
الاستثناء المذكور عامل في رد الشهادة، فإذا تاب القاذف قبلت شهادته، وتوبته: إما بتكذيب نفسه في ذلك القذف الذي حدّ فيه في رأي جماعة، وإما بالاقتصار على إصلاح نفسه وتحسين حاله، وإن لم يرجع عن قوله بتكذيب.
لما نزلت آية رمي المحصنات، تناول ظاهرها الأزواج وغيرهن، مما أوجد الحرج في العلاقات الزوجية، فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله، إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة (أي شهداء) ؟ والله لأضربنّه بالسيف غير مصفح عنه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغير منه، والله أغير مني؟» .
ثم