وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (74)
«1» «2» «3» [المؤمنون: 23/ 71- 74] .
الحق: هو الشيء الثابت والصواب الدائم، المقابل للباطل، فهو ذو حقيقة ناصعة، لا يتغير ولا يتذبذب، ويتفق مع الواقع والصدق، فلو ساير الحق أهواء الناس، لا نقلب باطلا، ولذهب ما يقوم به العالم. وعليه، فإن الحق لا يتبع الهوى، بل الواجب على الإنسان ترك الهوى، واتباع الحق، فإن اتباع الأهواء يؤدي إلى الفساد الشديد، والمراد: لو جاء القرآن مؤيدا الشرك بالله والوثنية، مبيحا الظلم مقرا النهب والسلب والفواحش، مهملا الأخلاق والفضائل، لاختل نظام العالم، وشاع الفساد والدمار، وتخلفت المدنية، وبادت الحضارة.
بل إن القرآن العظيم جاء العرب والإنسانية بما يعظهم ويهذب طبائعهم ويبين لهم طريق الخير من الشر، غير أن الناس أعرضوا عن هذا البيان الشافي. ثم إن النبي محمدا صلّى الله عليه وسلّم كان في غاية الإخلاص لدعوته، ولم يكن لديه أطماع في مال أو جاه أو زعامة أو متعة شخصية، فلم يطلب من قومه أجرا ورزقا على تبليغ الرسالة، والإرشاد إلى قانون الهداية، حتى لا ينفر أحد من دعوته، أو يتكأ في الإيمان برسالته، والمراد أن العرب وغير العرب ليسوا معذورين في ترك الاستجابة لرسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم، التي هي محض الخير والصلاح والاستقامة ورفع مستوى الحياة وإعزاز الأمة.