بعد أمر الله تعالى إبراهيم الخليل بالنداء للحج والأمر به، أوضح الله ثواب تعظيم أحكام الله ومناسك الحج، وذلك هو المأمور به من الطاعات في أداء مناسك الحج، وتعظيم حرمات الله: وهي كل ما لا يحل هتكه، ومن يعظم أحكام الله بتعلمها واجتناب المعاصي والمحرّمات، والتزام المأمورات فله الثواب الجزيل، الشامل أمرين: فعل الطاعة في حد ذاتها، واجتناب المحظور الحرام. وتعظيم شرائع الله خير محض للإنسان.
وشرائع الإسلام تتفق مع منهج الاعتدال والعقلانية والواقعية، لذا أباح شرع الله ما كانت العرب تفعله من تحريم أشياء برأيها كالبحيرة والسائبة، فأذهب الله جميع ذلك، وأحل للمسلمين جميع الأنعام من الإبل والبقر والغنم إلا ما استثني وتلي في آية المائدة مما فيه ضرر على الصحة والجسد: وهو الأربعة المعروفة: الميتة بأنواعها والدم ولحم الخنزير، وما أهل، أي ذبح لغير الله. وفي هذه الذبائح التي كانت للأوثان ضرر يمس العقيدة، كما يمس الصحة الإنسانية تماما، لذا أمر الله باجتناب الرجس، أي القذر من الأصنام، وسميت رجسا تنفيرا منها وتقبيحا لها، والمراد اجتناب عبادتها وتعظيمها، وأمر الله أيضا باجتناب قول الزور والابتعاد عنه، والزور: لفظ عام يشمل الكذب والكفر وكل ألوان الباطل، لأن كل ما عدا الحق:
فهو كذب وباطل وزور، ومنه شهادة الزور.
روى أحمد وأبو داود وغيرهما عن ابن مسعود أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «عدلت شهادة الزور: الإشراك بالله»
قال ذلك ثلاثا، وتلا هذه الآية.
وبعد اجتناب أنواع الكلام الزور، أمر الله بأن يكون الناس حنفاء لله، أي مخلصين له الدين، منحرفين عن الباطل، مستقيمين أو مائلين إلى الحق: وهو توحيد الله ونبذ الشرك بالله، فإن الشرك جرم عظيم، ومن يشرك مع الله إلها آخر، ويعبد