وطارئ. وكلمة «بإلحاد» أي ميل، تشمل جميع المعاصي الصغيرة والكبيرة، من الكفر إلى الصغائر، فتعظيما لحرمة المكان توعد الله تعالى على نية السيئة فيه، ومن نوى سيئة، ولم يعملها، لم يحاسب بذلك إلا في مكة.
ثم أبان الله تعالى مكانة البيت الحرام عند أهل الإيمان، ووبخ من أشرك فيه بالله تعالى، فاذكر أيها النبي محمد للناس وقت أن جعلنا لإبراهيم مكان البيت، أي أوحينا إليه القيام ببناء له، وعيّنا له موقع البناء، والبيت: هو الكعبة، وقيل له: أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً أي ابنه على اسمي وحدي، ولا تشرك بي شيئا من خلقي، في العبادة والتعظيم، وطهّر بيتي من الشرك والأوثان والأصنام وجميع الأنجاس والدماء أن تطرح حوله، واجعله خالصا لهؤلاء الذين يعبدون الله وحده لا شريك له، وهم الطائفون القائمون بالعبادة، الركّع الساجدون. فالطائف حول الكعبة الشريفة يخص العبادة بالله تعالى، لا يفعل ذلك ببقعة من الأرض سواها، ويذكّره وجود هذا البيت بإخلاص العبادة والتوحيد لله تعالى، والقائم في الصلاة والدعاء إلى الله يدعو ربه وحده، دون أي شيء سواه، والراكع الساجد لله تعالى في عبادة، تخضع هامته ويذل رأسه، ويجمع جميع جسده معبرا عن تمام الانقياد والخضوع لله رب العالمين.
إن مئات الناس وآلاف البشر تراهم حول الكعبة في غاية الخشوع والتضرع والإنابة، باكين نادمين، يطلبون من رب العزة خيري الدنيا والآخرة، والمكان مكان إجابة للدعاء، فتذرف الدموع، وتصفو النفوس، وتخضع لخالق الأرض والسماء، وتتجرد من الأهواء، وتتجه نحو الله لمغفرة الذنوب والتطهر من السيئات. فما أسعد لقاء المؤمن بربه حول البيت الحرام، إنه تمهيد للقاء الله يوم القيامة.