وقد نزلت الآية التي بعدها حينما اعترض عبد الله بن الزّبعرى على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قائلا: إن عيسى وعزيرا ونحو هما قد عبدا من دون الله، فيلزم أن يكونا حصبا لجهنم، فنزلت آية: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى.
وأكد الله تعالى قبل بيان نجاة أهل الإيمان على إحراق الأصنام للتوبيخ، بأنه لو كانت هذه الأصنام آلهة صحيحة، تضر وتنفع كما يدعي عبدتها، ما دخلوا النار، لأن أبسط شيء في الفكر: أن الذات أو النفس تدفع الضر عن حالها، وكل تلك الآلهة المزيفة المعبودة من دون الله، مخلدة في نيران جهنم، دائمة العذاب فيها، لا مخرج لهم منها.
وللمعذّبين من شدة العذاب أنين وزفير، والزفير: صوت المعذب، وهو كشهيق الحمير وشبهه، إلا أنه من الصدر، وهم في النار لا يسمعون فيها خبرا مفرحا، ولا شيئا سارّا من القول، بل يسمعون صوت الزبانية الذين يتولون تعذيبهم.
أما أهل السعادة: فليسوا من المعذّبين لأنهم لم يرضوا بعبادتهم أنفسهم، ولا دعوا إليه، فهؤلاء سبقت لهم من الله الحسنى، أي تقرر في علم الله أنهم بسبب التزامهم الإيمان وصالح الأعمال في الدنيا، مبعدون عن دخول النار، وهم مبشّرون بالجنة والثواب العظيم، وموفّقون للعمل الصالح، كما قال الله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يونس: 10/ 26] . فسقط بذلك اعتراض عبد الله بن الزبعرى على ظاهر الآية السابقة: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ.. فإن المعبودين من غير علم منهم ولا رضا بعبادتهم من قبل الجاهلين هم ناجون من العذاب، وأوصاف نعيم السعداء أربعة: هي أنهم لا يسمعون حسيس النار، أي صوتها وحريقها في الأجساد وشررها، وهم ماكثون أبدا على الدوام في الجنان، يتمتعون بما اشتهت أنفسهم من نعيم الجنة ولذائذها، ولا يحزنهم الفزع الأكبر، أي