الحوت وتلك الظلمات، وكما أنجاه الله من الكرب والشدة المطبقة، ينجّي الله أيضا كل المؤمنين الصادقين إذا استغاثوا بربهم، وطلبوا إنزال الرحمة الإلهية عليهم.
روى البيهقي وغيره عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «دعوة ذي النون في بطن الحوت: (لا إله إلا أنت، سبحانك، إني كنت من الظالمين) لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط، إلا استجاب له» .
الحق أن العبد إذا صدق في مناجاة ربه بخشوع وخضوع، وأدب وإخلاص، صدق الله معه، ونجاه من الكروب العظام في الدنيا والآخرة.
لقد جمع الله تعالى بين زكريا ومريم على الخير والعبادة، حينما كان يتردد عليها في المحراب، ويجد عندها الأرزاق الوفيرة والغريبة، وفي إطار هذا التلاقي، أحب زكريا عليه السلام أن يخلفه من بعده خلف صالح، يقوم بأعباء النبوة والدعوة إلى الله تعالى، وأراد الله سبحانه أن تنجب السيدة مريم البتول، العذراء الصالحة ولدا مقدسا، تظهر على أيديه سحائب الخير، ودعوة الناس إلى الاستقامة، وتم مراد الله، فدعا زكريا ربه أن يرثه وارث صالح، فتحقق ذلك بإنجاب يحيى الحصور عليه السلام، وأنجبت مريم ابنها عيسى عليه السلام، للقيام بالدعوة إلى توحيد الله والحق والخير، قال الله تعالى واصفا هذه الأحداث الغريبة:
وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (90) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (91)