قال موسى لهارون حين رجع بعد تكليم ربه في الميقات: ما الذي منعك من اتباعي إلى جبل الطور، واللحوق بي مع الباقي من المؤمنين، فتخبرني بهذا الأمر، أول وقوعه؟ كيف خالفت أمري لك بالقيام لله، ومنابذة من خالف دينه؟ وكيف أقمت بين هؤلاء الذين اتخذوا العجل إلها؟ قال هارون مجيبا أخاه موسى عليهما السلام: إني خشيت إن خرجت عنهم وتركتهم أن يقتتلوا ويتفرقوا، فتقول: إني فرقت جماعتهم لأنه لو خرج لتبعه جماعة منهم، وتخلّف مع السامري عند العجل آخرون، وربما أفضى ذلك إلى القتال بينهم، وحينئذ تقول: لم تعمل بوصيتي لك فيهم ولم تحفظها، وهي قوله المتقدم: اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ.
ثم كلم موسى عليه السلام موسى السامري رأس الفتنة، موبخا ومستنكرا: ما شأنك، وما الذي حملك على ما صنعت؟ قال السامري: رأيت جبريل الرسول حين جاء لهلاك فرعون على فرس، فأخذت قبضته من أثر فرسه- والقبضة: ملء الكف بأطراف الأصابع، وكان ذلك الأثر لا يقع على جماد إلا صار حيا- فطرحتها في الحلي المذابة المسبوكة على صورة العجل، فصنعت لهم تمثال إله، حينما رأيتهم يطلبون منك أن تجعل لهم إلها كإله المصريين عبدة الأصنام. وكما زينت لي نفسي السوء، زينت لي وحسّنت هذا الفعل بمحض الهوى.
فأخبره موسى بجزائه في الدنيا والآخرة فقال: اذهب يا سامري، فعقوبتك في الدنيا أن تصير منبوذا، وتذهب من بيننا وتخرج عنا، وأن تقول ما دمت حيا: لا مساس بيني وبين أحد. وعقوبتك في الآخرة: أن لك موعدا للعذاب، لا يخلفه الله، بل سينجزه، وهو يوم القيامة.
وأما إلهك المزعوم الذي اتخذته معبودا ولازمت عبادته: لنحرقنه تحريقا بالنار، ثم لنبددنّه في البحر، وننسفه نسفا شديدا.