فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (67) أي تملّكه الخوف، وهو عبارة عما يعتري نفس الإنسان إذا وقع ظنه في أمر على شيء يسوؤه. وظاهر الأمر كله الصلاح، وكان خوف موسى عليه السلام على الناس أن يضلوا لهول ما رأى. وخاف في الجملة، وبقي ينتظر الفرج، إنك يا موسى أنت الغالب على من ناوأك في هذا المقام، إنك أنت المستعلي عليهم بالظفر والغلبة.

وألق يا موسى العصا التي في يمينك، تبتلع أو تتلقف بعد صيرورتها جميع ما صنعوه من الحبال والعصي، ولا يفوز الساحر حيث أتى من الأرض، أو حيث احتال، ولا يحصل مقصوده بالسحر، خيرا كان أو شرا. وأبهمت العصا ولم تذكر هنا في الآية تهويلا لأمرها، وأنها ليست من جنس العصي المعروفة، فبعد أن ألقاها وصارت ثعبانا، مدّ موسى عليه السلام يده إليها، فرجعت عصا كما كانت. فقامت المعجزة، واتضح البرهان، وظهر الحق، وبطل السحر، ودهش الناس الذين ينظرون، ونظر السحرة وعلموا الحق، ورأوا ضياع وابتلاع الحبال والعصي، وأن هذا خارج عن طاقة البشر، وهو من فعل الإله الخالق، فآمنوا بالله ربا إلها واحدا، رضي الله عنهم.

وكان إيمانهم المفاجئ أخطر من المبارزة نفسها. وبهت فرعون وقومه، وأحسوا بالإفلاس والخسارة وهزيمة المعارضة بين موسى والسحرة، فطاش صوابه، ولجأ إلى تهديد السحرة ووعيدهم، معتمدا على إرهابه وسلطته، ولكنه خاب وفشل مرة أخرى لأن إيمان السحرة زرع في قلوبهم كالجبال الرواسي، وهان عليهم العذاب من أجل مرضاة الله ولقائه وهو عنهم راض.

لقد تغير وجه التاريخ بهذه المبارزة، وبدأ صوت الإيمان يعلو في أرجاء مصر، وبدأ عرش فرعون في اهتزاز واضطراب، والله يؤيد بنصره من يشاء. والواقع أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015