المستجيبين لله في أمره ونهيه، والمصدقين لرسوله، بأن لهم الجنة بالطاعة والخضوع، وللقرآن مهمة أخرى: وهي إنذار القوم الألداء، المتميزين بشدة الخصومة والجدل بالباطل، المنحرفين عن جادة الحق، الوالغين في مستنقع الباطل، بأن لهم النار بالكفر والعصيان. وبكلمة موجزة: إنهم قوم لدّ، أي فجرة ظلمة،
جاء في حديث عائشة عند البخاري: «أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم»
وهو الذي يخاصمك ويجادلك بالباطل.
ومن أجل حمل الناس على طاعة الله ورسوله، أخبر الله تعالى عما فعل بالأقوام الظالمين، الذين عصوا الله والرسل، واتبعوا أهواءهم، فكثيرا ما أهلك الله قبل مشركي العرب من الأمم والجماعات من الناس لكفرهم بآيات الله وتكذيب رسله، فهل تجد أو ترى منهم أحدا أو تسمع لهم صوتا بعد هذا الإهلاك. وقوله سبحانه «من قرن» القرن: الأمة. والركز: الصوت الخفي دون نطق بحروف ولا فم، وإنما هو صوت الحركات وخشفها، والخشف: الحركة والحس.
إن وصف الله تعالى معارضي القرآن الكريم بأنهم قوم لدّ: أشداء في الخصومة والجدال بالباطل، يدل على غاية السوء والإنكار، فهذه صفة سوء بحكم الشرع والحق، لذا قسا الله عليهم بالوعيد، والتمثيل بإهلاك من كان أشدّ منهم، وألدّ وأعظم، قدر ما كان يسرهم في أنفسهم من الوصف بكلمة «لدّ» فإن العرب بجهالتها وعتوها وكفرها كانت تتمدح باللّدد، وتراه إدراكا وشهامة، وهو في الواقع قسوة وهمجية، فمثّل الله لهم بمثل ليعتبروا ويتعظوا بإهلاك من قبلهم، ليحتقروا أنفسهم، ويتبين صغر شأنهم.
إن إهلاك من قبلهم من العتاة الأشداء كان إبادة تامة، عبّر عنها القرآن الكريم بأنهم لم يبق لأحد منهم كلام أو تصويت بوجه من الوجوه، فهل يعتبر كفار قريش وغيرهم إذا بقوا على معارضة النبي صلّى الله عليه وسلّم في دعوته ورسالته؟!