التقي ذو نهية (?) . سلكت معه مسلكا لينا يعتمد على العقل والتقوى والحكمة، فخوّفته أولا بالله عز وجل، والاستعاذة والتخويف لا يؤثران إلا في التقي. وهذا دليل على عفافها وورعها، حيث تعوذت بالله من تلك الصورة الجميلة الفاتنة.

فأجابها جبريل بالأسلوب الهادىء نفسه، مهدئا روعها، ومزيلا مخاوفها: لست أريد بك سوءا، ولكني رسول من عند الله الذي استعذت أو استجرت به، بعثني إليك لأهب لك غلاما زكيا، أي طاهرا من الذنوب، ينمو على النزاهة والعفة. وقد نسب الهبة لنفسه: لِأَهَبَ

لإجراء الأمر على يده، وبواسطته بأمر الله تعالى. وكأن نفخ الروح الذي فعله مجرد تعاط للأسباب، والحقيقة: أي ليهب لك الله.

فتعجبت مريم مما سمعت، وقالت لجبريل: كيف يكون لي غلام، وعلى أي صفة، يوجد هذا الغلام مني، ولست متزوجة ولم يقربني زوج، ولا يتصور مني الفجور، ولم أك يوما بغيا، أي زانية، أو مجاهرة مشتهرة بالزنى، وأنا العذراء البتول، والقائمة بعبادة الله قياما مستقلا متفرغا.

فأجابها جبريل الأمين: إن الله قال: سيوجد منك غلاما، وإن لم يكن لك زوج، ولا من طريق الفاحشة، وليجعله الله آية أو علامة للناس على قدرته، حيث خلق آدم من غير ذكر وأنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى فقط، وخلق أغلب الناس من الزوجين: الذكر والأنثى. وليكون هذا الغلام رحمة من الله يبعثه لعباده، وطريق هدى لعالم كثير، فينالون الرحمة بذلك، يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وكان هذا الأمر قد أبرم به القضاء الإلهي، وقدّره الله في سابق علمه، لا يتغير ولا يتبدل، أي إن الأمر قد قضي وانتجز، ولا مرد منه.

روي أن جبريل عليه السلام- حين قال لها هذه المقالة- نفخ في جيب درعها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015