وإذا كانت مكة في رأي ابن عباس ومجاهد وغيرهما هي التي ضربت مثلا، فإنما ضربت لغيرها مما يأتي بعدها، ليحذر أهلها أن يقعوا فيما وقعت هي فيه.

والراجح عند الرازي وابن عطية أنه قصد بذلك قرية غير معينة، جعلت مثلا، فغير مكة مثلها، فهو عبرة لكل قرية، وجاء الكلام على معنى التحذير لأهلها ولغيرها من القرى إلى يوم القيامة.

والهدف من هذا المثل الذي أرشدت إليه الآية: هو وجوب الإيمان بالله وبالرسل، والتوجّه نحو عبادة الله وحده، وشكره على نعمة وآلائه الكثيرة، والمعرفة الثابتة بأن العذاب الإلهي لاحق بكل من كفر بالله وعصاه، وجحد نعمه الله عليه.

وهذا إنذار ووعيد لأهل كل قرية اتصفوا بالظلم، أي بالكفر والعصيان، إذ لا ظلم أشد من ظلم الكفر والمعصية، في حق الله تعالى.

والعذاب الإلهي من جنس العمل، سواء في الدنيا، أو في الآخرة، فإن أهل هذه القرية لما بطروا بالنعمة، بدّلوا بنقيضها، وهو محقها وسلبها، ووقعوا في شدة الجوع بعد الشبع، وفي الخوف والهلع بعد الأمن والاطمئنان، وفي انعدام موارد العيش بعد الكفاية.

ونوع هذا العذاب يختلف بحسب تحديد المراد بالقرية التي جعلت مثلا، فإن كان المراد بها مكة، فالعذاب: هو الجوع والقتل ببدر، والعيش بقلق بسبب ظهور الإسلام وقوته، واستعداد المسلمين لشن الهجوم على مكة وأهلها. وإن كان المراد بالقرية أي قرية أو مدينة قديمة غير معينة، فالعذاب هو الدمار والاستئصال وتخريب العمران وغير ذلك، كمدينة شعيب وقرى قوم لوط.

وأكثر المفسرين على أن المراد بهذه القرية: مكة وأهلها، فإنها كانت آمنة من الحروب، مطمئنة برغد الحياة، فجحدت نعم الله، وأعظمها بعثة النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015