هذا، ولكن خرجت العبارة هكذا لأن النّبي قائد الأمة، فيبدأ بخطابه. والمراد بها الزجر واستئصال الشّك في مجيء القيامة. والمعنى: لا تظنّن أيها الرسول أن الله مخلف رسله وعده، بل هو منجز لهم ما وعدهم به. ويراد بهذا الخبر زرع الثقة بوعد الله بنصر المؤمنين وتعذيب الظالمين، كما جاء في آية أخرى كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) [المجادلة: 58/ 21] . وبعبارة أخرى:
لا تحسب يا محمد- أنت ومن اعتبر بالأمر من أمّتك- وغيرها أن الله لا ينجز وعده في نصر رسله، وإظهارهم على أعدائهم، ومعاقبة من كفر بهم في الدنيا والآخرة، فإن الله عزيز قوي لا يمتنع منه شيء، ذو انتقام من الكفرة، ولا سبيل إلى عفوه عنهم.
ثم أخبر الله تعالى عن وقت انتقامه من أعدائه، وهو اليوم الذي تبدّل فيه الأرض غير الأرض، فتصبح على غير الصفة المألوفة، وتبدل أيضا السماوات غير السماوات. أما الأرض الحالية فتصبح كالدخان المنتشر، وأما السماوات فتتبدّد وتزول كواكبها وشمسها وقمرها، وتسقط وتتلاشى. وفي ذلك اليوم يبرز الناس في فضاء واحد، وتخرج الخلائق جميعها من القبور، انتظارا لحكم الله الواحد، الذي قهر كل شيء وغلبه، كما في آية أخرى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:
40/ 16] . وفي هذا تهويل وتخويف.
ولما وصف الله تعالى ذاته بكونه قهارا، وصف عجز الناس أمامه، وذكر من صفاتهم:
- كون المجرمين مقرنين في الأصفاد، أي جعل الذين أجرموا بكفرهم وفسادهم مقيّدين بعضهم إلى بعض في الأغلال أو القيود، يجمع الله بين النظراء المتماثلين في الجرم، كل صنف مع نظيره.