المعصية، والله سميع لدعاء المخلصين الملتجئين إليه، عليم بصدق إيمانهم وبأحوالهم وما يصلحهم.
وماذا كانت النتيجة في المستوى الرسمي، لقد ظهر للملك وامرأته من المصلحة والرأي بعد شيوع الخبر والاتهام، وبعد معرفة براءة يوسف، وظهرت الأدلة على صدقه في عفته ونزاهته، ظهر لهم بعد كل هذا أن يسجنوه لأجل غير معلوم، لإسكات الفتنة ونسيان التهمة التي لوّثت بها امرأة الملك. وكان هذا الخير تمهيدا لعودة يوسف ملكا لمصر وحاكما لها، والله يفعل ما يشاء ويختار.
إن مسرح الأحداث الجسام التي يتعرض لها الأنبياء لا يكاد يوجد له نظير في التاريخ، فهذا يوسف عليه السّلام يزجّ به في غياهب السجون، وهو العفّ البريء البعيد عن التّهمة، ويعيث الجناة المردة الفساد في الأرض، ويناصرهم بعض الناس، لأنه مع الأسف يكثر أعوان الشّر، ويقلّ أعوان الخير. وكان سجن يوسف سببا قويّا في دعوة السجناء إلى عبادة الله وحده وترك الوثنية، مستعينا بما عليه من الصلاح والتقوى، ومعبّرا الرؤيا لمن رآها، فتأتي مطابقة للواقع، فيزداد المسجونون ثقة به وحبّا وإكبارا، وهذه هي قصة رفاقه في السجن، قال الله تعالى:
وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38) يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (39) ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40)
«1»