الجماعي مثل الإيمان الفردي لا بدّ فيه من الطواعية والرّضا والاختيار، وقد وصف الله تعالى حالة الإيمان المقبول في الآيات التالية:
فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (98) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (100)
«1» [يونس: 10/ 98- 100] .
تتضمن هذه الآيات أمورا أربعة: ارتباط الإيمان بالاختيار والرّضا، والإشارة لقصة يونس مع قومه، ومنع الإكراه على الدّين، وكون الإيمان حاصلا بمشيئة الله وإرادته وإذنه.
أما ارتباط الإيمان بالاختيار والرّضا فقد حثّ القرآن عليه في مطلع هذه الآيات، ومضمون ذلك: فهلا آمن أهل قرية من قرى الرّسل المرسلين إليهم، بإرادتهم، وبعد دعوتهم للإيمان وإقامة الحجة عليهم، وقبل نزول العذاب واستحالة الإيمان، فنفعهم إيمانهم.
والأمر الثاني- قصة يونس عليه السّلام، فإن قومه في أرض نينوى بمقاطعة الموصل شمال العراق، كانوا قد كفروا، ثم لما رأوا أمارات العذاب، تضرّعوا إلى الله تعالى، وأخلصوا التوبة، وأظهروا الإيمان، فرحمهم الله وتقبّل منهم إيمانهم على سبيل الاستثناء، وكشف عنهم العذاب، ومتّعهم إلى أجل، تعليما وتوجيها ليونس عليه السّلام. والفرق بين إيمانهم وإيمان فرعون: أنهم آمنوا قبل وقوع العذاب بهم بالفعل، وإن كان بعد ظهور أماراته. وأما إيمان فرعون فكان عند اقتراب الموت ومعاينة الغرق وحين اليأس من النجاة. وفي هذا تعريض بأهل مكة، وحضّ شديد لهم على