ملكهم، ثم يعلم بانفراده بتدبيرهم بعد إبداعهم، أنه المستحق للألوهية بلا مشارك فيها ... (?) .
وإنما خصت هذه الصفات بالإضافة إلى الناس- مع أنه- سبحانه- رب كل شيء- على سبيل التشريف لجنس الإنسان، ولأن الناس هم الذين أخطئوا في حقه- تعالى-، إذ منهم من عبد الأصنام، ومنهم من عبد النار، ومنهم من عبد الشمس إلى غير ذلك من المعبودات الباطلة التي هي مخلوقة له- تعالى-.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم قيل: «برب الناس» مضافا إليهم خاصة؟ قلت:
لأن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس في صدور الناس. فكأنه قيل: أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم، الذي يملك عليهم أمورهم، كما يستغيث بعض الموالي إذا اعتراهم خطب بسيدهم ومخدومهم ووالى أمرهم.
فإن قلت: «ملك الناس. إله الناس» ما هما من رب الناس؟ قلت: هما عطفا بيان، كقولك: سيرة أبى حفص عمر الفاروق. بين بملك الناس، ثم زيد بيانا بإله الناس ...
فإن قلت: فهلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذي هو الناس مرة واحدة؟ قلت: أظهر المضاف إليه الذي هو الناس لأن عطف البيان للبيان، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار ... (?) .
وقوله- سبحانه-: مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ متعلق بقوله أَعُوذُ.
والوسواس: اسم للوسوسة وهي الصوت الخفى، والمصدر الوسواس- بالكسر-، والمراد به هنا: الوصف. من باب إطلاق اسم المصدر على الفاعل، أو هو وصف مثل:
الثرثار.
و «الخناس» صيغة مبالغة من الخنوس، وهو الرجوع والتأخر، والمراد به: الذي يلقى في نفس الإنسان أحاديث السوء.
وقوله: الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ صفة لهذا الوسواس الخناس وزيادة توضيح له ...
وقوله: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ زيادة بيان للذي يوسوس في صدور الناس، وأن الوسوسة بالسوء تأتى من نوعين من المخلوقات: تأتى من الشياطين المعبر عنهم بالجنّة ... وتأتى من الناس.