قال ابن جرير بعد أن ذكر جملة من الأقوال في المراد من المحروم هنا: والصواب من القول في ذلك عندي: أنه الذي قد حرم الرزق واحتاج، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره فصار ممن حرمه الله. وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة. وقد يكون بأنه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الواقعة (?) .

أى: أنهم بجانب قيامهم الليل طاعة لله- تعالى- واستغفارا لذنوبهم.. يوجبون على أنفسهم في أموالهم حقا للسائل والمحروم، تقربا إلى الله- سبحانه- بمقتضى ما جبلوا عليه من كرم وسخاء.

فالمراد بالحق هنا: ما يقدمونه من أموال للمحتاجين على سبيل التطوع وليس المراد به الزكاة المفروضة، لأن السورة مكية والزكاة إنما فرضت في السنة الثانية من الهجرة.

قال الآلوسى: وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ هو غير الزكاة كما قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما.

وقال منذر بن سعيد: هذا الحق هو الزكاة المفروضة، وتعقب بأن السورة مكية. وفرض الزكاة بالمدينة. وقيل: أصل فريضة الزكاة كان بمكة والذي كان بالمدينة القدر المعروف اليوم ... والجمهور على الأول (?) .

والمتأمل في هذه الآيات الكريمة يرى أن هؤلاء المتقين، قد مدحهم الله- تعالى- هذا المدح العظيم، لأنهم عرفوا حق الله عليهم فأدوه بإحسان وإخلاص، وعرفوا حق الناس عليهم فقدموه بكرم وسخاء.

ثم لفت- سبحانه- الأنظار إلى ما في الأرض من دلائل على قدرته ووحدانيته فقال:

وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ. أى: وفي الأرض آيات عظيمة وعبر وعظات بليغة، تدل على وحدانية الله وقدرته، كصنوف النبات، والحيوانات، والمهاد، والجبال، والقفار، والأنهار، والبحار. وهذه الآيات والعبر لا ينتفع بها إلا الموقنون بأن المستحق للعبادة إنما هو الله- عز وجل-.

ثم لفتة أخرى إلى النفس البشرية، قال- تعالى-: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ.

أى: وفي أنفسكم وذواتكم وخلقكم ... أفلا تبصرون إبصار تذكر واعتبار، فإن في خلقكم من سلالة من طين، ثم جعلكم نطفة فعلقة فمضغة فخلقا آخر، ثم في رعايتكم في بطون أمهاتكم. ثم في تدرجكم من حال إلى حال، ثم في اختلاف ألسنتكم وألوانكم، ثم في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015