صرف عن الرشاد وعن الخير صرفا، ليس هناك ما هو أشد منه في سوء العاقبة.
فهذا التعبير شبيه في التهويل بقوله- تعالى-: فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ.
قال الجمل: يُؤْفَكُ يصرف عَنْهُ عن النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم. أى:
عن الإيمان به مَنْ أُفِكَ أى: من صرف عن الهداية في علم الله- تعالى-.
وقيل: الضمير للقول المذكور. أى: يرتد، أى: يصرف عن هذا القول من صرف عنه في علم الله- تعالى- وهم المؤمنون (?) .
ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة المكذبين فقال: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ. يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ. يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ.
والخراصون: جمع خرّاص، وأصل الخرص: الظن والتخمين، ومنه الخارص الذي يخرص النخلة ليقدر ما عليها من ثمر، والمراد به هنا: الكذب، لأنه ينشأ غالبا عن هذا الخرص، والمراد بالآية الدعاء عليهم باللعن والطرد من رحمة الله- تعالى-.
أى: لعن وطرد من رحمة الله- تعالى- هؤلاء الكذابون، الذين قالوا في الرسول صلى الله عليه وسلم ما هو منزه عنه ... والذين هم فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ أى: في جهالة تغمرهم كما يغمر الماء الأرض. فهم ساهون وغافلون عن كل خير.
فالغمرة: ما يغمر الشيء ويستره ويغطيه، ومنه قولهم: نهر غمر، أى: يغمر من دخله.
والمراد: أنهم في جهالة غامرة لقلوبهم. وفي غفلة تامة عما ينفعهم.
وهذا التعبير فيه ما فيه من تصوير ما هم عليه من جهالة وغفلة، حيث يصورهم- سبحانه- وكأن ذلك قد أحاط بهم وغمرهم حتى لكأنهم لا يحسون بشيء مما حولهم.
ثم بين- سبحانه- ما كانوا عليه من سوء أدب فقال: يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ.
و «أيان» بمعنى متى. أى: يسألون سؤال استهزاء واستخفاف فيقولون: متى يكون هذا البعث الذي تحدثنا عنه يا محمد، ومتى يوم الجزاء والحساب الذي تهددنا به؟
وهنا يأتيهم الجواب الذي يردعهم ويبين لهم سوء مصيرهم. فيقول- سبحانه-: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ أى يقع هذا اليوم الذي تسألون عنه وهو يوم البعث والحساب والجزاء ... يوم تحرقون بالنار- أيها الكافرون-، وتعذبون فيها عذاب أليما.
و «يفتنون» مأخوذ من الفتن بمعنى الاختبار والامتحان، يقال: فتنت الذهب بالنار، إذا