فلا هو بالكثير الذي يغرقكم، ولا هو بالقليل الذي لا يكفى حاجتكم، بل نزله بقدر كفايتكم، كما قال- سبحانه-: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ، فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ.
وكقوله- تعالى- في آية ثانية: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ، وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ....
وقوله- سبحانه-: فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً بيان للآثار المترتبة على هذا الإنزال للماء.
أى: نحن الذين بقدرتنا أنزلنا من السماء ماء على قدر حاجتكم، وحسبما تقتضيه مصلحتكم، فأحيينا بهذا الماء بلدة مجدبة، لا نبات فيها ولا زرع.
فالمراد بالنشور: الإحياء للأرض عن طريق إنبات الزرع بها، بعد أن كانت مجدبة.
وقوله: كَذلِكَ تُخْرَجُونَ بيان لإمكانية إحياء الناس بعد موتهم.
أى: مثل ذلك الإحياء للأرض بعد موتها، تخرجون أنتم من قبوركم أحياء يوم القيامة.
قال الآلوسى: وفي التعبير عن إخراج النبات بالإنشار الذي هو إحياء الموتى، وعن إحيائهم بالإخراج، تفخيم الإنبات، وتهوين لأمر البعث، وفي ذلك من الرد على منكريه ما فيه.. (?) .
وشبيه بهذه الآية قوله: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ، فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ، كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (?) .
ثم وصف- سبحانه- ذاته بصفة ثالثة فقال: وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها أى:
خلق أصناف وأنواع المخلوقات كلها. فالمراد بالأزواج هنا: الأصناف المختلفة من الذكر والأنثى. ومن غير ذلك من أنواع مخلوقاته التي لا تحصى.
قال- سبحانه- سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ.
وقوله- تعالى-: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ أى: وسخر لكم بقدرته ورحمته من السفن التي تستعملونها في البحر، ومن الإبل التي تستعملونها في البر،