- صلوات الله عليه- لقومه، وأن تكون آيات وقعت معترضة في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشأن قريش، بين أول قصة إبراهيم وآخرها.
فإن قلت: إذا كانت من قول إبراهيم، فما المراد بالأمم من قبله؟ قلت: المراد بهم قوم شيث وإدريس ونوح وغيرهم، وكفى بقوم نوح أمة في معنى أمم جمة مكذبة ... » (?) .
وقال الإمام ابن كثير: والظاهر من السياق أن كل هذه الآيات، من كلام إبراهيم الخليل- عليه السلام-، يحتج عليهم لإثبات المعاد، لقوله بعد هذا كله: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ (?) .
وقوله- سبحانه-: وَإِنْ تُكَذِّبُوا ... معطوف على محذوف، والتقدير: إن تطيعوني- أيها الناس- فقد فزتم ونجوتم، وإن تكذبوني فيما أخبرتكم به، فلستم بدعا في ذلك، فقد كذب أمم من قبلكم رسلهم، فكانت عاقبة المكذبين خسرا.
ثم بين لهم إبراهيم- عليه السلام- وظيفته فقال: وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ أى: لقد بلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم، وتلك هي وظيفتي التي كلفنى بها ربي، وليس على سواها، أما الحساب والجزاء فمرده إلى الله تعالى وحده.
ثم ساق- سبحانه- ما يدل على أن البعث حق، وأنه- تعالى- لا يعجزه شيء، فقال: أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ.
والاستفهام لتوبيخهم على إنكارهم هذه الحقيقة، وعدم تعقلهم لما يدل عليها دلالة واضحة، والواو للعطف على مقدر.
والمعنى: ألم ينظر هؤلاء المشركون المنكرون للبعث، ويعلموا كيف خلق الله- تعالى- الخلق ابتداء، ليستدلوا بذلك على قدرته على الإعادة، وهي أهون عليه.
إنهم ليرون كيف يبدئ الله الخلق في النبتة النامية، وفي الشجرة الباسقة، وفي كل ما لم يكن، ثم بعد ذلك يكون، فكيف أنكروا إعادة هذا المخلوق إلى الحياة مرة أخرى، مع أنه من المسلم عند كل ذي عقل، أن الإعادة أيسر من الخلق ابتداء؟
فالآية الكريمة تقرعهم على إنكارهم البعث، وتسوق لهم الأدلة الواضحة على إمكانيته.
واسم الإشارة في قوله: إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ يعود إلى ما ذكر من الأمرين وهما:
بدء الخلق، وإعادته إلى الحياة مرة أخرى.