والضمير في قوله- سبحانه-: وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ للسفينة، أو للحادثة والقصة.
أى: فأنجينا نوحا ومن ركب معه في السفينة، وجعلناها أى هذه الحادثة عبرة وعظة للعالمين، حيث شاهدوا سوء عاقبة الكفر والظلم على ممر الأيام والأعوام.
قالوا: ومن مظاهر وجوه العبرة في قصة نجاة نوح ومن معه: أن السفينة التي حملتهم وأقلتهم بقيت مدة طويلة، وهي مستقرة على جبل الجودي، الذي يرى كثير من المؤرخين ان مكانه بشمال العراق، بالقرب من مدينة الموصل.
ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن جانب من قصة إبراهيم- عليه السلام- مع قومه، فقال- تعالى-: وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ....
ولفظ إِبْراهِيمَ منصوب بفعل مضمر. أى: واذكر- أيها المخاطب- إبراهيم- عليه السلام- وقت أن قال لقومه: اعبدوا الله- تعالى- وحده، وصونوا أنفسكم عن كل ما يغضبه ذلِكُمْ الذي أمرتكم به من العبادة والتقوى خَيْرٌ لَكُمْ من الشرك، ومن كل شيء في هذه الحياة إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أى: إن كنتم من ذوى العلم والفهم بما هو خير وبما هو شر.
فأنت ترى أن إبراهيم- عليه السلام- قد بدأ دعوته لقومه يأمرهم بإخلاص العبادة لله- تعالى-، وبالخوف من عقابه، ثم ثنى بتحبيب هذه الحقيقة إلى قلوبهم، ببيان أن إيمانهم خير لهم، ثم ثلث بتهييج عواطفهم نحو العلم النافع، الذي يتنافى مع الجهل..
ثم بعد ذلك نفرهم من فساد ما هم عليه من باطل، فقال كما حكى القرآن عنه: إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً....
والأوثان: جمع وثن. وتطلق الأوثان على التماثيل والأصنام التي كانوا يصنعونها بأيديهم من الحجارة أو ما يشبهها، ثم يعبدونها من دون الله- تعالى-.
وقوله: وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً أى: وتكذبون كذبا واضحا، حيث سميتم هذه الأوثان آلهة، مع أنها لا تضر ولا تنفع، ولا تغنى عنكم ولا عن نفسها شيئا.
أو يكون قوله وَتَخْلُقُونَ بمعنى وتصنعون وتنحتون. أى: وتصنعون بأيديكم هذه الأوثان صنعا، من أجل الإفك والكذب والانصراف عن كل ما هو حق إلى كل ما هو باطل.
ثم بين لهم تفاهة هذه الأوثان فقال: إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من أوثان وأصنام لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً أى: لا يملكون لكم شيئا من الرزق حتى ولو كان غاية في القلة.
وما دام الأمر كذلك: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ- تعالى- وحده الرِّزْقَ الذي يكفيكم