ثم بين- سبحانه- الآثار الجليلة المترتبة على إنزال الماء من السماء فقال: فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ ...

أى: فأوجدنا لكم بسبب نزول الماء على الأرض بساتين متنوعة، بعضها من نخيل، وبعضها من أعناب، وبعضها منهما معا، وبعضها من غيرهما.

وخص النخيل والأعناب بالذكر، لكثرة منافعهما، وانتشارهما في الجزيرة العربية، أكثر من غيرهما.

لَكُمْ فِيها أى: في تلك الجنات فَواكِهُ كَثِيرَةٌ تتلذذون بها في مأكلكم وَمِنْها. أى: ومن هذه البساتين والجنات تَأْكُلُونَ ما تريدون أكله منها في كل الأوقات.

والمراد بالشجرة في قوله- تعالى- بعد ذلك: وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ ... ،

شجرة الزيتون. وهي معطوفة على «جنات» من عطف الخاص على العام.

أى: فأنشأنا لكم بسبب هذا الماء النازل من السماء، جنات، وأنشأنا لكم بسببه- أيضا- شجرة مباركة تخرج من هذا الوادي المقدس الذي كلم الله- تعالى- عليه موسى- عليه السلام- وهو المعروف بطور سيناء. أى: بالجبل المسمى بهذا الاسم في منطقة سيناء، ومكانها معروف.

قالوا: وكلمة سيناء- بفتح السين والمد على الراجح- معناها: الحسن باللغة النبطية.

أو معناها: الجبل المليء بالأشجار. وقيل: مأخوذة من السنا بمعنى الارتفاع.

وخصت شجرة الزيتون بالذكر: لأنها من أكثر الأشجار فائدة بزيتها وطعامها وخشبها، ومن أقل الأشجار- أيضا- تكلفة لزارعها.

وخص طور سيناء بإنباتها فيه، مع أنها تنبت منه ومن غيره، لأنها أكثر ما تكون انتشارا في تلك الأماكن، أو لأن منبتها الأصلى كان في هذا المكان، ثم انتقلت منه إلى غيره من الأماكن.

وقوله: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ بيان لمنافع هذه الشجرة على سبيل المدح، والتعليل لإفرادها بالذكر.

والدهن: عصارة كل شيء ذي دسم. والمراد به هنا: زيت الزيتون.

وقراءة الجمهور: تَنْبُتُ- بفتح التاء وضم الباء- على أنه مضارع نبت الثلاثي.

فيكون المعنى: هذه الشجرة من مزاياها أنها تنبت مصحوبة وملتبسة بالدهن الذي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015