أى: ثم صيرنا هذا الإنسان بشرا سويّا، بعد أن كان نطفة، فعلقة، فمضغة، فعظاما، فلحما يكسو هذه العظام، وهذا كله يدل على كمال قدرة الله- تعالى- وعلى أنه حق، إذ قدرته- سبحانه- لا يعجزها شيء.
قال صاحب الكشاف: «قوله- تعالى-: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ، أى: خلقا مباينا للخلق الأول مباينة ما أبعدها، حيث جعله حيوانا بعد أن كان جمادا، وناطقا وكان أبكم، وسميعا وكان أصم وبصيرا وكان أكمه، وأودع باطنه وظاهره- بل كل عضو من أعضائه بل كل جزء من أجزائه- عجائب فطرته، وغرائب حكمته، لا تدرك بوصف الواصف، ولا تبلغ بشرح الشارح ... » (?) .
فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ أى: فكثر خيره- سبحانه- ودام إحسانه وتقدس شأنه، فهو- عز وجل- أحسن الخالقين على الإطلاق، فقد أتقن كل شيء خلقه، وأحكم كل شيء صنعه.
ولفظ «تبارك» فعل ماض لا ينصرف، والأكثر إسناده إلى غير مؤنث.
وهو مأخوذ من البركة بمعنى الكثرة من كل خير، أو بمعنى الثبات والدوام وكل شيء دام وثبت فقد برك.
ثم بين- سبحانه- حالهم بعد أن يكونوا خلقا آخر فقال: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ.
أى: ثم إنكم بعد ذلك الذي ذكره- سبحانه- لكم من أطوار خلقكم تصيرون أطفالا، فصبيانا فغلمانا، فشبانا، فكهولا، فشيوخا.. ثم مصيركم بعد ذلك كله، أو خلال ذلك كله، إلى الموت المحتوم الذي لا مفر لكم منه، ولا مهرب لكم عنه. ثم إنكم يوم القيامة تبعثون من قبوركم للحساب والجزاء.
وهكذا نجد هذه الآيات الكريمة تذكر الإنسان بأطوار نشأته. وبحلقات حياته: وبنهاية عمره. وبحتمية بعثه.
وفي هذا التذكير ما فيه من الاعتبار للمعتبرين، ومن الاتعاظ للمتعظين، ومن البراهين الساطعة على وحدانية الله- تعالى-.
وبعد أن ساق- سبحانه- ما يدل على قدرته عن طريق خلق الإنسان في تلك الأطوار المتعددة، أتبع ذلك ببيان مظاهر قدرته عن طريق تلك الكائنات المختلفة، فقال- تعالى-