وشبيه بهذه الآية في الرد على هؤلاء الكافرين قوله- تعالى-: وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى. إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ
(?) .
وقوله- سبحانه-: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (?) .
ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يضيف إلى تهديدهم السابق تهديدا آخر فقال:
قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا ...
أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الكافرين المتفاخرين بمساكنهم ومظاهرهم.. قل لهم: من كان منغمسا في الضلالة والشقاوة والغفلة.. فقد اقتضت حكمة الله- تعالى- أن يمد له العطاء كأن يطيل عمره ويوسع رزقه، على سبيل الاستدراج والإمهال..
فصيغة الطلب وهي قوله- تعالى-: فَلْيَمْدُدْ على هذا التفسير، المراد بها:
الإخبار عن سنة من سنن الله- تعالى- في خلقه، وهي أن سننه- تعالى- قد اقتضت أن يمهل الضالين، وأن يزيدهم من العطاء الدنيوي، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
قال- تعالى-: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ. فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (?) .
وقال- سبحانه-: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (?) .
وقد صدر الآلوسى تفسيره للآية بهذا التفسير فقال ما ملخصه: قوله قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ ... أمر منه- تعالى- لرسوله صلّى الله عليه وسلّم بأن يجيب على هؤلاء المتفاخرين بما لهم من الحظوظ الدنيوية..
وقوله: فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا أى: يمد- سبحانه- له ويمهله بطول العمر، وإعطاء المال، والتمكن من التصرفات، فالطلب في معنى الخبر واختير للإيذان بأن ذلك مما ينبغي أن يفعل بموجب الحكمة لقطع المعاذير فيكون حاصل المعنى: من كان في الضلالة فلا عذر له فقد أمهله الرحمن ومد له مدا وجوز أن يكون ذلك للاستدراج.