فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ على معنى أن يلقيه في قلوبهم مكذبا مستهزئا به غير مقبول، كما لو أنزلت بلئيم حاجة فلم يجبك إليها: فقلت: كذلك أنزلها باللئام: تعنى مثل هذا الإنزال أنزلها بهم مردودة غير مقضية.

ومحل قوله لا يُؤْمِنُونَ بِهِ النصب على الحال، أى: غير مؤمن به. أو هو بيان لقوله كَذلِكَ نَسْلُكُهُ.. (?) .

وقد زكى هذا الوجه صاحب الانتصاف فقال: والمراد- والله أعلم- إقامة الحجة على المكذبين، بأن الله- تعالى- سلك القرآن في قلوبهم، وأدخله في سويدائها، كما سلك ذلك في قلوب المؤمنين المصدقين، فكذب به هؤلاء، وصدق به هؤلاء، كل على علم وفهم لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ... ، ولئلا يكون للكفار حجة بأنهم ما فهموا وجوه الإعجاز كما فهمها من آمن ... » (?) .

ويرى بعض المفسرين- كالإمام ابن جرير- أن الضمير في نسلكه يعود إلى الكفر الذي سلكه الله في قلوب المكذبين السابقين، أما الضمير في بِهِ فيعود إلى القرآن الكريم، فقد قال: قوله- تعالى- كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ ...

يعنى: كما سلكنا الكفر في قلوب شيع الأولين بالاستهزاء بالرسل، كذلك نفعل ذلك في قلوب مشركي قومك الذين أجرموا بسبب الكفر بالله.

لا يُؤْمِنُونَ بِهِ يقول: لا يصدقون بالذكر الذي أنزل إليك. (?) .

ومع أن هذا التفسير الذي ارتضاه شيخ المفسرين ابن جرير له وجاهته، إلا أننا نميل إلى التفسير الأول الذي ارتضاه صاحب الكشاف، لأنه هو المتبادر من معنى الآية، ومن المفسرين الذين رجحوا ذلك الفخر الرازي، فقد قال- رحمه الله- خلال كلام طويل ما ملخصه:

«التأويل الصحيح أن الضمير في قوله- تعالى- كَذلِكَ نَسْلُكُهُ عائد إلى الذكر، الذي هو القرآن، فإنه- تعالى- قال قبل هذه الآية إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وقال بعده كَذلِكَ نَسْلُكُهُ أى: هكذا نسلك القرآن في قلوب المجرمين.

والمراد من هذا السلك، هو أنه- تعالى- يسمعهم هذا القرآن، ويخلق في قلوبهم حفظه والعلم بمعانيه. إلا أنهم مع هذه الأحوال لا يؤمنون به عنادا وجهلا..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015