وعلى هذه القراءة التي وردت عن ابن كثير والكوفيين تكون الإشارة إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم.
وقرأ الباقون: إن هذا لسحر مبين أى: إن هذا القرآن لسحر واضح، لأنه خارق للعادة في جذبه النفوس إلى الايمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
قال ابو حيان ما ملخصه: «ولما كان قولهم فيما لا يمكن أن يكون سحرا ظاهر الفساد، لم يحتج إلى جواب، لأنهم يعلمون نشأته معهم بمكة، وخلطتهم له، - وأنه لا علم له بالسحر- وقد أتاهم بعد بعثته بكتاب إلهى مشتمل على مصالح الدنيا والآخرة مع الفصاحة والبلاغة التي أعجزتهم ...
وقولهم هذا هو دين الكفرة مع أنبيائهم. فقد قال فرعون وقومه في موسى- عليه السلام- إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ وقال قوم عيسى فيه عند ما جاءهم بالبينات هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ ودعوى السحر إنما هي على سبيل العناد والجحد» (?) .
وقال الآلوسى «وفي قولهم هذا اعتراف منهم بأن ما عاينوه خارج عن طوق البشر، نازل من حضرة خلاق القوى والقدر، ولكنهم يسمونه سحرا تماديا في العناد، كما هو شنشنة المكابر اللجوج، وشنشنة المفحم المحجوج» (?) .
وجاءت الجملة الكريمة بدون حرف عطف، لكونها استئنافا مبنيا على سؤال مقدر، فكأنه قيل: فماذا قالوا بعد هذا التعجب؟ فكان الجواب: قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ.
ويرى الامام ابن جرير أن الآية فيها كلام محذوف، فقد قال: - رحمه الله-: «وفي الكلام حذف استغنى بدلالة ما ذكر عما ترك ذكره، وتأويل الكلام: أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم، فلما أتاهم بوحي الله وتلاه عليهم وبشرهم وأنذرهم قال المنكرون لتوحيد الله ورسالة رسوله إن هذا الذي جاءنا به محمد صلى الله عليه وسلم لسحر مبين» (?) .
وقد اشتملت جملة إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ على جملة من المؤكدات، للإشارة إلى رسوخهم في الكفر، وإلى أنهم مع وضوح الأدلة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم لم يزدادوا إلا جحودا وعنادا، وصدق الله إذ يقول: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ.