وقوله: صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ذم لهم لإيثارهم الغي على الرشد، والضلالة على الهداية.
أى: صرف الله قلوبهم عن الهداية والرشاد، بسبب أنهم قوم لا يفقهون ما فيه خيرهم ونفعهم. وإنما يفقهون ما فيه شقاؤهم وتعاستهم.
هذا، وإن الناظر في هذه الآيات الكريمة بتدبر وإمعان، ليراها قد صورت أحوال المنافقين وأخلاقهم وحركاتهم تصويرا دقيقا معجزا، حتى إنه ليخيل إلى القارئ لهذه الآيات الكريمة أو السامع لها، أنه يشاهد المنافقين مشاهدة حسية وهم على تلك الحالة من التحرك المريب والنظرات الخبيثة، والخروج من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم في حذر وريبة..
وهذا كله مما يشهد بأن هذا القرآن إنما هو من عند الله العليم بخفايا الصدور، وبطوايا النفوس.
ثم ختم- سبحانه سورة التوبة، بآيتين كريمتين، اشتملتا على أسمى النعوت، وأكرم الصفات للرسول صلى الله عليه وسلم فقال- تعالى-:
لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)
وجمهور المفسرين على أن الخطاب في قوله- سبحانه-: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ للعرب: فهو كقوله: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ.
أى: لقد جاءكم- يا معشر العرب- رسول كريم «من أنفسكم» أى: جنسكم، ومن نسبكم، فهو عربي مثلكم، فمن الواجب عليكم أن تؤمنوا به وتطيعوه.
فالمقصود من هذه الجملة الكريمة ترغيب العرب في الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وفي طاعته وتأييده، فإن شرفهم قد تم بشرفه، وعزهم بعزه، وفخرهم بفخره، وهم في الوقت نفسه قد شهدوا له في صباه بالصدق والأمانة والعفاف وطهارة النسب، والأخلاق الحميدة.