إخوانه المؤمنين بقوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ لأنه أنجح للحاجة، وأنجع للإجابة، ولهذا أرشدنا الله إليه لأنه الأكمل (?) .
وقد تكلم المفسرون كلاما كثيرا عن المراد بالصراط المستقيم الذي جعل الله طلب الهداية إليه في هذا السورة أول دعوة علمها لعباده. والذي نراه: أن أجمع الأقوال في ذلك أن المراد بالصراط المستقيم، هو ما جاء به الإسلام من عقائد وآداب وأحكام، توصل الناس متى اتبعوها إلى سعادة الدنيا والآخرة، فإن طريق السلام هو الطريق الذي ختم الله به الرسالات السماوية، وجعل القرآن دستوره الشامل، ووكل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر تبليغه وبيانه.
وقد ورد في الأحاديث النبوية ما يؤيد هذا القول، ومن ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده، عن النواس بن سمعان، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال له: ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه، فالصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، وذلك الداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلّم» .
والمراد بقوله- تعالى- اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ أى: ثبتنا عليه، واجعلنا من المداومين على السير في سبيله، فإن العبد مفتقر إلى الله في كل وقت لكي يثبته على الهداية، ويزيده منها، ويعينه عليها. وقد أمر سبحانه المؤمنين أن يقولوا: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.
وجملة صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بدل من الصراط المستقيم.
ولم يقل: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم مستغنيا عن ذكر الصراط المستقيم، ليدل أن صراط هؤلاء المنعم عليهم هو الصراط المستقيم.
وقال: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ولم يقل صراط الأنبياء أو الصالحين، ليدل على أن الدين في ذاته نعمة عظيمة، ويكفى للدلالة على عظمتها إسنادها إليه- تعالى- في قوله:
أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ لأن المراد بالإنعام هنا- على الراجح- الإنعام الديني. فالمنعم عليهم هم من عرفوا الحق فتمسكوا به، وعرفوا الخير فعملوا به.
قال بعض العلماء: (وإنما اختار في البيان أن يضيف الصراط إلى المنعم عليهم لمعنيين: