مشهدهم عند ما يقفون أمام ربهم فيسألهم: لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا

؟ وهنا لا يملكون، إلا الشهادة على أنفسهم بأن الرسل الكرام قد بشروهم وأنذروهم، ولكن الشيطان هو الذي استحوذ عليهم فجعلهم يستحبون العمى على الهدى.

استمع إلى القرآن الكريم وهو يصور هذا المشهد بأسلوبه الرائع فيقول:

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ، وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ، إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ.

ومع أن السورة الكريمة قد تعرضت- فيما سبق منها- بصورة موجزة للأباطيل التي كان يتبعها المشركون في ذبائحهم ومآكلهم ومشاربهم، إلا أنها هنا- في أواخر الربع الثامن وفي معظم الربع التاسع- قد أفاضت القول في استعراض رذائل المشركين التي تتعلق بنذورهم ومطاعمهم وذبائحهم وما أحلوه وما حرموه، وذلك لأن السورة الكريمة تريد أن تنقى العقيدة الإسلامية من كل ما كان سائدا في الجاهلية من معتقدات باطلة، وأفعال قبيحة، وتقاليد وثنية موروثة، وعادات جاهلية مرذولة، فتحدثت عن أوهامهم التي منها أنهم جعلوا لله مما خلق نصيبا وجعلوا لآلهتهم نصيبا آخر، ثم هم بعد ذلك لا يعدلون في قسمتهم مع بطلانها، بل تارة يأخذون من نصيب الله الذي هو للفقراء فيجعلونه لسدنة أصنامهم وخدامها. ومنها أن يعضهم كانوا يقتلون أولادهم سفها بغير علم لأن الشياطين زينت لهم ذلك. ومنها أنهم شرعوا لأنفسهم أحكاما ما أنزل الله بها من سلطان.

ولقد حكى القرآن بعض هذه الرذائل التي كانت متفشية فيهم، ووبخهم عليها ونهى المؤمنين عن سلوك مسلكهم فقال:

وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا، فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ، وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ، وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ.

ثم قال: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015