وقوله: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ معطوف على قوله- تعالى- قبل ذلك: إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ.
والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا القول إنما يكون في الآخرة- على الصحيح- والمعنى: واذكر أيها الرسول الكريم وليذكر معك كل مكلف وقت أن يسأل الله- تعالى- عبده ورسوله عيسى فيقول له يا عيسى: أأنت قلت للناس اتَّخِذُونِي أى: اجعلوني وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ أى من غير الله.
قال القرطبي: اختلف في وقت هذه المقالة، فقال قتادة وابن جريج وأكثر المفسرين: إنما يقول له هذا يوم القيامة. وقال السدى وقطرب: قال له ذلك حين رفعه إلى السماء وقالت النصارى فيه ما قالت فإن إِذْ في كلام العرب لما مضى والأول أصح، يدل عليه ما قبله من قوله يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ الآية. كما يدل عليه ما بعده وهو قوله: هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ.
وعلى هذا تكون إذ بمعنى إذا كما في قوله: وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ أى: إذا فزعوا فعبر عن المستقبل بلفظ الماضي. لأنه لتحقيق أمره وظهور برهانه. كأنه قد وقع (?) .
وكان النداء بقوله- سبحانه- يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أى: بغير ذكر النبوة، للإشارة إلى الولادة الطبيعية التي تنفى أن يكون إلها أو ابن إله أو فيه عنصر الألوهية بأى وضع من الأوضاع لأن الألوهية والبشرية نقيضان لا يجتمعان فلا يمكن أن يكون البشر فيه ألوهية، ولا إله فيه بشرية.
والتعبير بقوله اتَّخِذُونِي يدل على أنه ليس له حقيقة، بل هو في ذاته اتخاذ بما لا أصل له.
والمقصود بالاستفهام في قوله: أَأَنْتَ قُلْتَ توبيخ للكفرة من قومه وتبكيت كل من نسب إلى عيسى وأمه ما ليس من حقهما، وفضيحتهم على رءوس الأشهاد في ذلك اليوم العصيب، لأن عيسى سينفى عن نفسه أمامهم أنه قال ذلك وإنما هو أمرهم بعبادة الله وحده. ولا شك أن النفي بعد السؤال أبلغ في التكذيب وأشد في التوبيخ والتقريع وادعى لقيام الحجة على من وصفوه بما هو برىء منه.
قال الآلوسى: واستشكلت الآية بأنه لا يعلم أن أحدا من النصارى اتخذ مريم إلها.
وأجيب عنه بأجوبة الأول: أنهم لما جعلوا عيسى إلها لزمهم أن يجعلوا والدته أيضا كذلك لأن الولد من جنس