وقال- تعالى- فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ؟ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (?) .
فهاتان الآيتان صريحتان في مدح الحواريين وفي أنهم قوم التفوا حول عيسى- عليه السلام- وناصروه مناصرة صادقة، وآمنوا به إيمانا سليما من الشك والتردد.
وأما المسألة الثانية: وهي آراء العلماء في نزول المائدة: فالجمهور على أنها نزلت.
وقد رجح ذلك ابن جرير فقال ما ملخصه: والصواب من القول عندنا في ذلك أن يقال:
إن الله أنزل المائدة.. لأن الله لا يخلف وعده، ولا يقع في خبره الخلف وقد قال- تعالى- مخبرا في كتابه عن إجابة نبيه عيسى حين سأله ما سأله من ذلك إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ وغير جائز أن يقول الله إنى منزلها عليكم ثم لا ينزلها، لأن ذلك منه- تعالى- خبر، ولا يكون منه خلاف ما يخبر (?) .
وقد علق ابن كثير على ما رجحه ابن جرير فقال: وهذا القول هو- والله أعلم- الصواب، كما دلت عليه الأخبار والآثار عن السلف وغيرهم.
ومن الآثار ما خرجه الترمذي عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما، وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغد: فخانوا وادخروا ورفعوا لغد فمسخهم قردة وخنازير.
قال الترمذي: وقد روى عن عمار من طريق موقوفا وهو أصح.
وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن شهاب عن ابن عباس، أن عيسى ابن مريم قالوا له ادع الله أن ينزل علينا مائدة من السماء. قال: فنزلت الملائكة بالمائدة يحملونها. عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة. فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم (?) .
والذي يراجع بعض كتب التفسير يرى كلاما كثيرا عما كان على المائدة من أصناف الطعام، وعن كيفية نزولها ومكانه، وعن كيفية استقبالها وكشف غطائها، والأكل منها والباقي عليها بعد الأكل. وهذا الكلام الكثير رأينا من الخير أن نضرب عنه صفحا، لضعف أسانيده، ولأنه لا يخلو عن غرابة ونكارة- كما قال ابن كثير- فقد ذكر- رحمه الله أثرا طويلا في هذا المعنى ثم قال في نهايته: هذا أثر غريب جدا قطعه ابن حاتم في مواضع من هذه القصة، وقد جمعته