التقليد، وبعدهم عن التحقيق، وتمرنهم على التمرد والاستعصاء على الأنبياء، وقد قيل: إن من مذهب اليهود أنه يجب عليهم إيصال الشر إلى من يخالفهم في الدين بأى طريق كان وفي تقديم اليهود على المشركين إشعار بتقدمهم عليهم في العداوة» (?) .
وقوله: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى معطوف على ما قبله لزيادة التوضيح والبيان.
أى: لتجدن يا محمد أشد الناس عداوة لك ولأتباعك- اليهود- والذين أشركوا. ولتجدن أقربهم مودة ومحبة لك ولأتباعك الذين قالوا إنا نصارى.
قال ابن كثير: أى الذين زعموا أنهم نصارى من أتباع المسيح وعلى منهاج إنجيله فيهم مودة للإسلام وأهله في الجملة: وما ذاك إلا لما في قلوبهم- من لين عريكة- إذ كانوا على دين المسيح من الرقة والرأفة، كما قال- تعالى- وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً وفي كتابهم: «من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر» وليس القتال مشروعا في ملتهم (?) .
وقال الجمل: فإن قلت: كفر النصارى أشد من كفر اليهود لأن النصارى ينازعون في الألوهية فيدعون أن لله ولدا، واليهود ينازعون في النبوة فينكرون نبوة بعض الأنبياء فلم ذم اليهود ومدح النصارى؟
قلت: هذا مدح في مقابلة ذم وليس مدحا على إطلاقه، وأيضا الكلام في عداوة المسلمين وقرب مودتهم لا في شدة الكفر وضعفه (?) .
وقوله: ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ تعليل لقرب مودة النصارى للمؤمنين.
والقسيسين: جمع قسيس. وأصله من قس إذا تتبع الشيء فطلبه، وهم علماء النصارى والمرشدون لهم.
والرهبان: جمع راهب كركبان جمع راكب وتطلق كلمة رهبان على المفرد كما تطلق على الجمع، والراهب هو الرجل العابد الزاهد المنصرف عن الدنيا، مأخوذ من الرهبة بمعنى الخوف. يقال: رهب فلان ربه يرهبه، أى: خافه.