التي وردت في سبب نزول بعض آياتها، يرى أن هذه السورة الكريمة لم تنزل دفعة واحدة، وإنما نزلت متفرقة وفي أوقات مختلفة.
ومما يشهد لذلك ما جاء في كتب الحديث وفي كتب السيرة أن المقداد بن الأسود قد قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم قبيل التحام المسلمين مع المشركين في غزوة بدر: يا رسول الله امض لما أمرك الله. فو الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى. اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون.
فقد أخرج البخاري عن عبد الله بن مسعود قال: شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا، لأن أكون صاحبه أحب إلى مما عدل به. أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يدعو على المشركين- في بدر- فقال: لا نقول كما قال قوم موسى: اذهب أنت وربك فقاتلا.. ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك» (?) .
فهذا النص يفيد أن الصحابة كانوا على علم قبل غزوة بدر بهذه الآيات التي وردت في سورة المائدة، والتي تحكى موقف بنى إسرائيل من نبيهم موسى عند ما دعاهم إلى دخول الأرض المقدسة (?) .
كذلك مما يشهد بأن سورة المائدة قد نزلت منجمة ولم تنزل دفعة واحدة ما نقلناه منذ قليل عن السيوطي من أن بعض آياتها قد نزلت في أزمنة وأمكنة مختلفة.
وأيضا مما يشهد لذلك، أن المتأمل في بعض آياتها يراها تحكى لنا ألوانا من تعنت اليهود مع النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن تحاكمهم إليه لا من أجل الوصول إلى الحق وإنما من أجل إظهاره بمظهر الجاهل بأحكام التوراة.
قال- تعالى- وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ، يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا.
وفعلهم هذا يدل على أنهم كانت لهم قوة ونفوذ في المدينة عند نزول هذه الآيات.
ومن المعروف تاريخيا أن نفوذ اليهود بالمدينة قد تلاشى بعد غزوة بنى قريظة في السنة الخامسة من الهجرة. وأن قوتهم قد زالت بعد فتح خيبر في أوائل السنة السابعة من الهجرة.
ومن كل هذا نستخلص أن بعض آيات هذه السورة يغلب على ظننا أنها نزلت على النبي صلّى الله عليه وسلّم في السنوات التي سبقت صلح الحديبية وأن الروايات التي نقلناها قبل ذلك عن بعض المفسرين، والتي يستفاد منها أن سورة المائدة قد نزلت دفعة واحدة، أو أنها نزلت عند منصرف