الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها» .
وروى مسلم في صحيحه عن سلمان الفارسي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجرى عليه رزقه، وأمن الفتان» (?) .
وبعضهم جعل المراد بالمرابطة انتظار الصلاة بعد الصلاة مستدلا بالحديث الذي رواه مسلم والنسائي عن أبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة. فذلكم الرباط» .
قال القرطبي: بعد أن ساق هذا الحديث-: «والقول الصحيح هو أن الرباط هو الملازمة في سبيل الله- وأصلها من ربط الخيل، ثم سمى كل ملازم لثغر من ثغور المسلمين مرابطا فارسا كان أو راجلا. واللفظ مأخوذ من الربط. وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم «فذلكم الرباط» إنما هو تشبيه بالرباط في سبيل الله» (?) .
ومما يدل على أن المرابطة في سبيل الله من أجل الديار الإسلامية من أفضل الأعمال وأن الصالحين الأخيار من المسلمين كانوا لا ينقطعون عنها، مما يدل على ذلك ما كتبه عبد الله بن المبارك- وهو يرابط بطرسوس- إلى صديقه الفضيل بن عياض- وكان الفضيل معتكفا بالمسجد الحرام- كتب إليه عبد الله يقول:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ... لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه ... فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل ... فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا ... رهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا ... قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي غبار خيل الله في ... أنف امرئ ودخان نار تلهب
هذا كتاب الله ينطق بيننا ... ليس الشهيد بميت لا يكذب
فلما قرأ الفضيل هذه الأبيات بكى وقال: صدق عبد الله.
وقوله وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أى اتقوا الله بأن تصونوا أنفسكم عن محارمه وعن مخالفة أمره، ورجاء أن يكتب لكم الفوز بالنصر في الدنيا، والثواب الحسن في الآخرة.