الغباء من أنه لم يكن يفسّر من القرآن إلا القليل من آيِهِ واليسيرَ من حروفه؛ كان إنما أُنزلَ إليه -صلى الله عليه وسلم- الذكرُ ليَتركَ للناس بيانَ ما أنزل إليهم، لا ليبين لهم ما أُنزل إليهم.
وفي أمر الله جلّ ثناؤه نبيَّه -صلى الله عليه وسلم- ببلاغ ما أنزل إليه، وإعلامه إياه أنه إنما نزل إليه ما أنزل ليبين للناس ما نزل إليهم، وقيامِ الحجة على أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قد بلّغ وأدّى ما أمره الله ببلاغه وأدائِه على ما أمره به وصحةِ الخبر عن عبد الله بن مسعود بقيله: كان الرجل منا إذا تعلم عشرَ آيات لم يجاوزهُن حتى يعلم معانيهنّ والعملَ بهنّ؛ ما ينبىء عن جهل من ظنَّ أو توهَّم أنّ معنى الخبر الذي ذكرنا عن عائشة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئا إلا آيًا بعَددٍ)، هو أنه لم يكن يبين لأمته من تأويله إلا اليسير القليل منه" (?).
وعقب عليه ابن حبان بعد تخريجه، فقال: "ويشبه أن يكون معنى التفسير للآية بعينها، وأما سنته كلها فهي تفسير القرآن، قال الله عز وجل {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] " (?).
وتكلم عليه ابن عطية الأندلسي، فقال: "ومعنى هذا الحديث في مغيبات القرآن، وتفسير مجمله، ونحو هذا مما لا سبيل إليه إلا بتوقيف من الله تعالى" (?).
فالحاصل بعد هذا كله؛ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بين للأمة ما تحتاج إليه في كتاب الله تعالى، وما مات حتى أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، وحتى بلَّغ الرسالة حق البلاع امتثالا لأمر ربه تعالى {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67]، وبلاغه إياه يتضمن بلاغ ألفاظه، وبلاغ معانيه ببيان ما تحتاج الأمة إليه من ذلك. وقد قال -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه في