فأخذ بيده فعد خمسًا، فقال: اتقِ المحارم تكن أعبد الناس، وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب)).
وعن ابن عمر وعائشة -رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننته أنه سيورّثه)) وذلك لعظم حق هذا الجار.
هذه إذًا جملة من الأحاديث نقلتها لكم لتروا كيف يكون التعامل والإكرام والإحسان إلى الجار والقيام بحق هذا الجار؛ في أن الجار يجب أن يواسي جاره، وأن يقوم بحقه وألا يمنع عنه خيره، فإذا كان هذا بين الجيران فإن الجيران تمثّل وحدة من وحدات هذه الأمة، ولو صلحت هذه الوحدات لصلح المجتمع الإسلامي كله، ولشاع الودّ والحب والأمان والسلام بين الناس، ولو أن كل جار منع شره عن جاره! بل تعدى هذا إلى أن يحسن إلى جاره، فليس المطلوب هو أن يمنع بوائقه، أو أن يمنع شره، فالذي يكون فيه الشر لجيرانه إنما نقص إيمانه لدرجة خطيرة، وإنما نتحدث عن جارٍ يتخطى هذا القدر إلى إكرام جيرانه والقيام بحقهم والبحث عما يحتاجون ليقف بجوارهم، فهذه الصورة المشرفة المنيرة المشرقة بتعاليم الله وتعاليم رسوله تجعل أمة الإسلام أمة جديرة بالخيرية التي أراد الله لها أن تكون هكذا حين قال: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (آل عمران: 110).
يقول الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: حفظ الجار من كمال الإيمان، وكان أهل الجاهلية يحافظون عليه، ويحصل امتثال الوصية به لا بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة كالهدية والسلام وطلاقة الوجه عند لقائه وتفقد حاله ومعاونته فيما يحتاج إليه ... إلى غير ذلك، وكف أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه حسية كانت أو معنوية، وقد نفى -صلى الله عليه وسلم- الإيمان عمن لم يأمن جاره بوائقه، وهي مبالغة تنبئ عن تعظيم حق الجار، وأن إضراره من الكبائر.