ليبطلوا ما رأوه من موسى، وظنوا أنه سحر، أو هكذا قالوا، مع أن الله أخبر أنهم أيقنوا أن هذا ليس سحرًا، كما قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (النمل: 14) وطلبوا من موسى موعدًا فقال: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} (طه: 59).
وإنما أراد موسى ذلك ليكون خزي فرعون على ملأ من الناس، وليعلم الناس أن ما جاء به موسى ليس سحرًا، إنما هو آية من آيات الله، فلما جاء الموعد واحتشد القوم، وجاء السحرة ووعدهم فرعون بالجوائز والمناصب والدنيا، وسألوا موسى من سيلقي أولًا؟ فقال لهم: {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ * فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} (الشعراء: 43، 44) فأجابهم موسى قائلًا: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} (يونس: 81، 82) {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} (الشعراء: 45 - 48).
وتوعدهم فرعون بالعذاب الشديد، فأوحى الله لموسى أن يخرج ببني إسرائيل، فأتبعهم فرعون وجنوده بغيًا وعدوًا، فأغرقه الله ونجا موسى ومن معه أجمعين. قال تعالى فيما حل بفرعون وجنوده: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} (الأعراف: 136) ثم قال فيما مَنّ الله به على بني إسرائيل: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} (الأعراف: 137).
والله من وراء القصد.